المكتوب في الوقفية ثمان مجلدات لا اثني عشر فلعل ذلك الاختلاف بسبب الكبر والصغر.
قلت وهذه العبارة كتبت بعد الالف. وكيفما كانت حال الكتاب كبراً وصغراً فقد اخرج إلى عالم المطبوعات نموذجات من نثر لسان الدين وشعره ونثر جماعة من أصحابه وشعرهم. ابتدأ الجزء الأول بوصف جغرافية الأندلس الطبيعية والسياسية والاسيما عاصمتها بحيث يتراءى لك متى قرأته أن الكابت عصري نشأ في حجر حضارة هذا القرن.
للسأن الدين نمط خاص به في الإنشاء وتعبيرات لا تجدها لغيره من كتاب المغرب المشرق تتمثل في كلامه روحاً عالية ولفظاً شفافاً ومعنى جزلاً.
وما كان نسقه ليرضى كل الرضى لو لم يكن يغوص على بدائع المعاني التي يميلها عليه اشمئزازه من محيطه وتقززه من خدمة دولته حتى كان يدعو أن يلطف الله بمن اتبلى بذلك وأن يخلصه خلاصاً جميلاً. وكيف لا تدفعه حميته إلى القول وقد استولى العدو في أيامه على معظم قواعد الأندلس مثل إشبيلية وقرطبة ومرسية وجيان والمرية ولسأن الدين يستصرخ وزعماء السلطة في لهوهم وغرورهم مسترسلون. ولئن خاطبهم (دون الجهر من القول لمكان التقية) فما تجار ممن يرميه بالزندقة ايضا في كتابه هذا لأن لسأن الدين املاه بلسان الانصاف والانطلاق فعز على نظرائه خروجه عن مألوف العادة في ذكر تراجم الناس حتى يخيل اليك انهم كلهم كأسنأن المشط في الاستواء.
تقرأ الترجمة في الأحاطة وهو في تراجم الرجال الذين نشأوا فيها او مروا بها وبعبارة أخرى هو تاريخ الأندلس ورجالها فيتجلى لك المترجم به كانك تراه وما اظن أن كتاب التراجم من الإفرنج اليوم باقدر على وصف رجالهم من صاحبنا لسأن الدين ولا عجب فهو اوروبي ايضا غدي تلك التربة المسكية والهواء الصافي والماء العذب وللبقاع تأثير في الطباع وما المرء الا نسخة ثانية من محيطه وبيته.
ولم يقتصر المؤلف كتابه على ذكر الملوك والرؤساء والفقهاء وأهل الطرق كما هي عادة معظم المؤرخين بل ذكر كثيراً ممن غلبت عليهم المعارف الدنيوية مثل أبي القاسم اصبغ بن محمد (٤٢٦) احد مفاخر الأندلس قال وكان محققاً لعلم العدد والهندسة مقدماً في علم الهيئة والفلك والنجوم وكانت له مع ذلك عناية بالطب وذكر تآليفه على عادته في اثبات حسنات المترجمين وسيئاتهم. ومثل أبي على الصعلعل حسن بن محمد رئيس الموقتين