ألفها أتراك باللغة التركية. فأدرك بعض الباحثين في أحوال البلاد والعناصر أن غرض الحكومة من هذه الخطة (تتريك) العرب وغيرهم وهو عمل إذا كان نافعاً من حيث السياسة فلا نفع فيه من حيث الاجتماع والعلم خصوصاً بعد أن رأينا أصغر الشعوب الأوربية تحافظ على لغتها الأصلية محافظتها على أعراضها وأموالها وأرواحها.
لا بد للحكومة أن تجعل التعليم إجبارياً في المملكة فإذا جعتله باللغة التركية ولم تراع حالة كل قطر ولغة أهله تسوء العاقبة ولا تأتي الشجرة التي تريد غرسها الآن بثمرة جنية بل يكون شأن البلاد العقم في العلم والفكر ومن لم يتعلم العلوم بلغته هيهات أن يأتي منه عضو يفيد أمته وبلاده. وإذا فعلت الدولة ذلك الآن فتكون في عهدها الدستوري أظلم منها في عهدها الاستبدادي وتكون حكومة مصر أرفق بأهل مصر من حكومتنا بنا لأنها منا فينتظر عن يدها الكثير وتلك ليست منهم وكل شيء تأتي به يعد كبيراً.
وبعد فإن كانت الحكومة العثمانية لم تنشط اللغة العربية في الماضي مع أنها لغة الدين والآداب والحضارة فهي لم تضع العقاب في سبيلها مباشرة ولكن الغلطة الفظيعة التي ارتكبتها ولا يغفرها لها التاريخ هو أن القائمين بأعبائها منذ البدء جعلوا اللغة التركية لغة الدولة الرسمية خلافاً لما جرت عليه دول الإسلام السالفة كدولة المصامدة البربر في الغرب الأقصى والأدنى ودولة الجراكسة في مصر والشام ودولة آل سلجوق التركية في العراق وشبه الجزيرة ودولة بني بويه الفارسية ودولة آل أيوب الكردية في مصر والشام والحجاز واليمن وغيرها من الدول التي طرحت لغاتها وعمدت إلى اتخاذ اللغة العربية لغة الحكومة والدولة الجراكسة والبربر والفرس والأكراد والأتراك يتخلون عن لغاتهم مختارين ولا يستعملون في الرسميات غير العربية لغة البيان والعلوم أما الترك فجروا على غير سنة الدول السالفة فلم يروا من المصلحة تعلم لغة عامة المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها واكتشفوا بلغة ملفقة بدوية ما برحوا يتوفرون منذ قرون على إصلاحها وهيهات أن تكون كما يحبون.
ولما جاء السلطان سليم الفاتح مصر والشام وكان على شيء من المعرفة يحسن العربية كما يحسن الفارسية والتركية أحب أن يتلافى الغلط الذي سارت عليه دولته وأن يجعل اللغة العربية لغتها الرسمية أسوة الدول الإسلامية البائدة فقام عليه بعض ضعاف العقول من أهل