للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

دولته وأرادوه على العدول عن رأيه مخافة أن تندثر لغتهم بل تخلصاً من أن يتعلموا لغة غيرها فكان عملهم هذا من جملة السدود التي حالت دون آل عثمان وبسط أيديهم على الممالك الإسلامية المجاورة لهم واللغة العربية أعظم رابطة بين المسلمين.

ولقد كانت الدولة ولا تزال تعلم في مدارسها الرسمية العربية كما تعلم الفارسية وذلك لأن التركية مزيج من هاتين اللغتين وبدون معرفة قليل من اللغتين لا يتأتى لتركي أن يكتب كتابة صحيحة في لغته فكان شأنها من بعض الوجوه شأن المدارس في أوربا لا تزال إلى اليوم تعلم اللاتينية واليونانية لأنهما أصل لغات أوربا وإن كانتا بادتا أو كادتا. ولكن مدارس أوربا أخرجت كتاباً بهذين اللغتين ولم نعهد من مدارس الحكومة العثمانية كاتباً بالعربية أو الفارسية. هذا والتركية ليست لغة دين ولا لغة علم ولا لغة حضارة قديمة ولا مدنية معروفة كالعربية التي شهد أهل الأرض بأمجاد أهلها وحضاراتهم. ومن الغريب أنه لم ينبغ في الدولة العثمانية كاتب عربي من أصل تركي على حين نبغ وينبغ من الفرس والأكراد وغيرهم أناس يؤبفون بالعربية فتحسبهم عرباً خلصاً. وإنك لتقرأ العجمة في كلام ابن كمال باشا وكاتب جلبي وطاشكو بربلي وغيرهم من الأتراك الذين عانوا القلم العربي وعدوا في المصنفين ما لا تقرأوه في كلام الراغب الأصفهاني وأبي بكر الخوارزمي وحجة الإسلام الغزالي بل إن هؤلاء على منشأهم الفارسي كانوا أئمة الإنشاء العربي.

إذا تعلم أبناؤنا اليوم على الطريقة التركية لا يلبثون أن يجيئوا أتراكاً ويتقنوا التركية كأرقى أبنائها وبذلك لا يخدمون أبناء لغتهم أدنى خدمة وقد رأينا معظم الذين تعلموا من أبناء سورية والعراق في المدارس الرسمية لا يحسنون التكلم بالعربية العامية فضلاً عن أن يكتسبوا سطرين صحيحين بلغتهم بل ربما رأيتهم يمزجون المصطلحات التركية وبعض الألفاظ التركية بينما هم يكلمونك بالعربية فكأن شأنهم في هذا شأن أكثر التوانسة والجزائريين من سكان المدن يتكلمون بعربية تكاد تكون أقرب إلى الإفرنجية لما خالطها من الألفاظ الإفرنسية والإسبانيولية والطليانية.

وقد رأى بعض العقلاء أن أحسن حل لمسألة اللغة العربية في المدارس الرسمية وسلمه عاقبة على أجيال الدولة المختلفة هو أن يجعل تدريس العلوم المادية كلها باللغة العربية كالطبيعيات والرياضيات والفلك والكيمياء والطب وأن تجعل العلوم السياسية كلها باللغة