غنائه وكفاءته ويبذ المتعلمين في مدارس الأجانب ومدارس الحكومة معاً ويتلقن في مدرسته أن المقصود من العلم إنارة المتعلم نفسه وذويه ونفع قومه ولغته وأمته.
وممن يساعدون اليوم عَلَى ترقية الأفكار وإزالة غشاوة الأوهام بعض الصحف وفئة من ناشئة الشام تتلقى العلوم المختلفة من مدارس الغرب ولاسيما في فرنسا وسويسرا وإنكلترا وألمانيا وأُناس من وجوه البلاد أخذوا يغشون ديار الغرب للزيارة وهم عَلَى قلتهم يفيدون فيم يتصونه عَلَى قومهم من مشاهداتهم وإعجابهم بأوضاع المدنية الحديثة وقصور سورية بالنسبة إلى ذاك التقدم المدهش.
هذه العوامل الثلاثة في ارتقاء سورية وهي الصحف والمتعلمون في مدارس الغرب والسائحون في ديارهم إذا حسنت أكثر من الآن وقويت وكثر عديد الشاعرين بها تنهض بالبلاد ولاسيما مدن الداخلية كما أفادت هجرة اللبنانيين خاصة في تمدين لبنان فعد من سورية بمثابة باريز من ولاياتها أو القاهرة من بلاد أقاليم مصر ولذلك كانت الحركة الفكرية في لبنان وبيروت أرقى منها الآن في دمشق وحلب إذ التعلم فيهما أكثر من هاتين القاعدتين وحركة لبنان وبيروت في الفكر مادية ولذلك قلما ترى الرغبة اليوم في مدارس بيروت والجبل منصرفة عَلَى العلوم الأدبية والفنون بقدر انصرافها إلى إتقان اللغات الأجنبية ولاسيما الإنكليزية والإفرنسية يستخدمونهما في التجارة ويتسلحون بهما للاستعانة عَلَى الهجرة إلى أميركا الشمالية وأوستراليا وكندا وجنوبي أفريقية ومصر والسودان.
وبعد فإن حال النهضة غريب في هذا القطر فكما كان العمران في السهوب والوهاد في كور محدودة معروفة هكذا تجد النهضة الفكرية في انتشارها موزعة عَلَى المدن الآن وبعضا لا حظ لها منها إلا بقدر حظ الدساكر والقرى فترى اللاذقية وعكا مثلاً بنهضتها الفكرية دون حيفا ويافا مثلاً مع أن للمدينتين الأوليين تاريخاً مجيداً مهماً ونابلس وحماة متشابهتان وإن كانت الأولى تفوق الثانية بكثرة الناهضين للتعليم من أبنائها وحمص تشبه طرابلس والصلت تشبه بعلبك ولكن هناك نحو مئة بلدة لا تقل نفوس الواحدة منها عَلَى بضعة ألوف من السكان وهي لا تخرج في نهوضها الفكري عن أحقر المزارع وذلك مثل دومة وجوبر وعربيل وداريا في غوطة دمشق ويبرود وجيرود ودير عطية والنبك في جبل سنير (قلمون) وحاصبيا وراشيا في وادي التيم والسويداء والرمتا ودرعا ونوى