ولو كان قوله هذا درساً يلقيه على صغار العقول من الطلبة الأطفال ليطبعهم بطبائع حب الوطن وينشأوا وهم يفادون في سبيله النفس والنفيس لما أخذوا بقدر ما يؤآخذ وهو في موقف ودع فيه_كما قال عن نفسه_الخيال والشعر وداع من يعلم أن الأمر أعظم شأناً وأجل خطراً من أن يعبث به العابث بأمثال هذه الطرائف التي هي بالهزل أشبه منها بالجد والتي إنما يلهو بها الكاتب في مواطن فراغه ولعبه لا في مواطن جده وعمله.
ألا فليعلم الكاتب أن في الغربيين من العادات ما هو خليق بنا نحتن الشرقيين أن نغتبط به ونأخذ بالنافع الرافع منه والرجاء أن لا يظن بأننا بما نكتبه الآن نخدع الأمة عن نفسها أو نفسد عليها شرقيتها بتزيننا لها هذه المدنية تزييناً يجمع إلى استقلالها النفسي استقلالها الشخصي فلشد وأيم الحق ما نكون محتفظين بعاداتنا العربية الشرقية وآدابنا ولكن ما نراه من تيار المدنية الغربية يريدنا على مجاراتها شئنا أم أبينا فإن لم نعد لها عدتها ولم نسر معها جنباً إلى جنب دحرتنا وربما وردتنا مورد الهلكة غير حافلة بنا ولا آسفة علينا.
ومما أنكره عليه أيضاً تعرضه في مقالة الحساب لولي عقله وأستاذه رجل الإسلام الشيخ محمد عبده ورجل المرأة قاسم بك أمين. ولو اقتصر على ذكر (المحسن) وذلك الرجل الذي كان في حياته يتخذ في أعماله ما يسمونه (الحيل الشرعية) وذلك (القطب) الذي كان أكبر تاجر من تجار الدين_لو اقتصر على هؤلاء لكان أحسن صنعاً.
وجل ما آخذ به الأول هو أنه فاجأ جهلة المسلمين بما لا يفهمون من المبادئ الدينية الصحيحة والأغراض الشريفة فأرادوا غير ما أراد وفهموا غير ما فهم. وهذا ما دعا إلى إلحادهم (!) ومروقهم من الدين (!) بعد أن كانوا مخرفين وأنه أول لهم بعض آيات الكتاب فاتخذ التأويل قاعدة حتى أولوا الملك والشياطين والجنة وبين لهم حكم العبادات وأسرارها وسفه لهم رأيهم في الأخذ بقشورها دون لبابها فتركوها وأنه قال لهم أن الولي آله باطل والله آله حق فأنكروا الإلوهية حقها وباطلها.