الرتب على النحو الذي يعهد في الشرق والغرب اليوم لم يكن لها ما يماثلها في الدولة اليونانية ولا الرومانية وغاية ما في الأمر أن الظافر في الألعاب الأولمبية في آثينة كان يذكر بالمحمدة ذكراً يورثه الشرف هو وأهل بلاده وينال جائزة سنية وكذلك من كتب به النصر على أعداء رومية ولكن لا يرث أبناؤه وأهله ما كان هو أبا عذرته وداعية مفخرته.
ولما انتظمت حكومات الغرب ألغيت الرتب من معظم الممالك الأوربية ولا يزال لها أثر في بعضها ولكنه ضئيل لا ينمُّ عن شرف ولا ينبئ عن فضيلة ورجع الناس هناك أو كادوا إلى عادة السذاجة التي كانت عليها دولة العرب ثلاثة قرون وأكثر فكان يدعى الكبير باسمه أو بكنيته ولم يكن للألقاب سوق معروفة.
كان براد بالرتب والأوسمة وعلائم التشريف في الأصل تحريك نفوس الناس إلى مباراة بعضهم بعضاً في طلب الكمال والمجد الحقيقي لأن من واجبات الحكومة أن تنشط العامل وتأخذ بيد صاحب الكفاءة ليكون مثالاً صالحاً لغيره والرتب والأوسمة من الأمور التي قد تساعد على هذا الشأن ولكن المتأخرين من أهل الغرب شاهدوا كما شاهد المتأخرون في الشرق أيضاً رداءة تلك الطريقة فأسقطوا بعض تلك الرتب والأوسمة وبقي غيرها عضواً أثرياً من حكومات القرون الوسطى يدل بأصرح بيان على أن من الصعب جداً على حكومة لها بعض التقاليد وإن كانت غير معقولة أن تنسفها جملة واحدة اللهم إلا إذا كانت كحكومة الولايات المتحدة لم تبن أصول حكومتها على أنقاض غيرها بل جعلت فيها العلم قائداً والعقل مرشداً ورائداً ولذلك تساوى بها العامل الصعلوك مع رئيس الجمهورية في الألقاب والتشريف.
قال أحد علماء الفرنسيس: ومن الواجب الاقتصاد في منح الأوسمة والألقاب وأن يتوخى المنعم بها لا يهبها إلا لمن يستحقها ممن لا ينكر عليهم استئهالهم لها أبعد الناس عن معرفة الحقيقة ومن الخطأ الفادح أن يذهب بعضهم إلى أن عدد الراضين يزيد بمضاعفة علائم الشرف إذ الأمر بخلاف ذلك وكلما خفضت المطالب والقيود درجة زادت الدعاوي الطويلة العريضة وما أنت بصاحبها في هذا المطلب إلا كأنه يتقاضى حقاً وأمراً مشروعاً وكلما زاد إعطاء الأوسمة وقعت الحكومات في شر أعمالها فتصبح في ذلك بين أمرين ما أن تعطيها لأناس لأخلاق لهم ولمن لهم علم واقتدار ولكنهم معروفون بالأخلاق السافلة وكلا الحالتين