قبيح وأقبح. وما حال الشعب إذ ذاك إلا حال الأطفال في المدرسة يطمحون إلى المكافآت المدرسية ويحرصون عليها أكثر من طموحهم إلى التقدم الحقيقي.
قلنا أن الظافر في الألعاب الأولمبية بآثينة كانت تنظم له الجوائز وكذلك الظافر في البر أو البحر يجازى أحسن الجزاء في رومية ويقلد أوسمة أشبه بأوسمة هذه الأيام علاوة على المكافآت المالية ومنها تيجان للجنود وأكاليل من ورق الزيتون وأكاليل من أغصان البلوط وأسورة وقلائد من الذهب والفضة تناط في الصدور أو في قرون صغيرة تجعل في أطراف الخوذ.
ولم تكد ترفع عن الأفواه والأقلام في البلاد العثمانية كمائم الاستبداد والحجر هذه ألسنة حتى قام عقلاء العثمانيين يكتبون في إسقاط الرتب والأوسمة لأن في إسقاطها رفع شأن أرباب الكفاءآت وتوعوا لذلك الأساليب وفي مقدمة الكاتبين المتخرجون من المدرسة الملكية العالية في الأستانة وهي من أرقى مدارس الدولة فقام من تعلموا فيها وفيهم الولاة وكبار العمال وتجردوا عن رتبهم مختارين قائلين أن الرتب من قبيل الامتيازات الشخصية المخلة بقاعدة المساواة وأن البلاد الشوروية لا يجوز أن يكون فيها فريق من الناس محكوماً لفريق آخر من أجل هذه الامتيازات الوهمية التافهة.
وبعد فإنه لا أثر لهذه الرتب الشخصية في البلاد المتمدنة ولا وجود لها إلا في بلادنا وفي بلاد إيران على أننا نعد هذه المسألة قد حلت حلاً نهائياً لأن مجلس الأمة مصمم على إلغائها بتاتاً وبما أن آخر الشيء ينبه إلى أوائله أحببنا أن نبحث في نبذة من تاريخها ليبقى حسرة في قلوب عشاقها المولعين بوضع القصب على الصدور وفوق العمائم.
كان الرومانيون واليونانيون يوجهون المناصب لغير طبقة العسكرية ولكن لا يوجهون عليهم رتباً شخصية. أما العرب فكانت الرتبة عندهم هي الفضيلة والمزية الشخصية وكانوا يوجهون الرتب العسكرية عند الحاجة مؤقتاً.
وإنا إذا تصفحنا التاريخ نرى النبي صلى الله عليه وسلم عين وزيره ورفيقه في الغار أبا بكر الصديق رضي الله عنه جندياً في الجيش الذي عقد لواءه لأسامة بن زيد وكان هذا ابن أمة ولكن خبرته في أمور الحرب وشجاعته أهلته لقيادة جيش فيه مثل أبي بكر الصديق ونرى عمر بن الخطاب عزل خالد بن الوليد وجعله تحت قيادة أبي عبيدة بن الجراح وكان