للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

في ثلاثين يوماً عَلَى الجمال والبغال والخيول من يتعب وهو راكب في القطار الحديدي ثلاثة أيام كان حرياً بان يهلك عَلَى ظهور المطايا أو في المحفات والهوادج والمحارات ثلاثين يوماً يضاف إليها عشرة أخرى من المدينة إلى مكة ولكن هي العادة تسهل الأشياء والتعب ينال الراكب في الأيام الأولى ثم يدمن ويمرن.

أعلى نقطة في هذا الطريق اليوم العقبة تعلو ١١٥٣ متراً عن سطح البحر والمطالع تعلو ١١٤٢ متراً وفي بعض هذه الرمال يمكن إنباط المياه وفي بعضها مياه يستقي منها العرب الرحالة هنا وأبناء السبيل فإن عشيرة الفقراء ومنازلها من تبوك إلى مدائن صالح لا تقل عن ثمانمائة بيت وقبيلة بني عطية تنزل من المدور إلى المعضم وهي تزيد عن ألفي بيتفلو صرفت عناية الحكومة إلى إسكان هاتينم العشيرتين وإعطائهما الأراضي مجاناً والصالح منها للزراعة كثير لما أتت بضع سنين إلا ودخلت هذه الموامي والمغارات في دور عمران تغني ساكنيها عن شن الغارات أو مد الأكف لأبناء السبيل في أستوكاف الصدقات.

ومن آسف ما رأيناه في الخط الحديدي ولاسيما بعد بلاد الشام أن الأولاد والبنات والرجال والنساء يأتون يلتقطون ما تجود به أكف الراكبين من الخبز والأدم يلتهمونه التهاماً وقد كان يقتلهم الجوع كما صهرت شمس الحجاز أبدانهم وإنك إذا أعطيتهم نقوداً لا ترضيهم بمثل ما يرضون بكسرات من الخبز القفار. فكأن القفار لا ينفع فيها إلا الخبز القفار. وعندنا أن أعظم صدقة يتصدق بها قاصدو البقاع الطاهرة في السكة الحجازية أن يحملوا معهم ما تسمح به نفوسهم من الخبز والأدم يوزعونه في المحطات عَلَى هؤلاء المجاويع المدقعين وذلك ريثما تصح عزيمة ولاة الأمر عَلَى تهيئة أسباب المعاش لهم.

ليس من الرأي السديد أن يعلم شعب أو أكثره عَلَى الشحاذة بل أن يعود العمل والاعتماد عَلَى النفس ولكن أرضاً لم تشفق عليها سماؤها حرية بأن يكون لأبنائها عناية من حكومتها فإن معظم ما نسمع به من الغزوات والغارات منبعث عن جوع مذيب والجوع كافر. فيساق الغازون إلى الموت أو ينالون ما يتبلغون به لسد رمقهم. وكل من قطع الطريق من مكة فالمدينة فدمشق يحدثك من فقر عرب تلك الأنحاء ما هو العجيب العجاب أو من الغريب أن الحكومة العثمانية لم تفكر حتى اليوم في إحداث موارد للرزق يعيش عليها عرب الحرمين