وإذا كان بعض قبائل الحرمين يعيشون بأجور الجمال بإكرائها في موسم الحج للحجاج بين جدة ومكة وبين هذه والمدينة تعذر تمديد الخط الحجازي من المدينة إلى مكة الآن أو تفتح الحكومة موارد جديدة يعيش منها عشرات الألوف من أهل البادية تعيضهم عن العيش من كري جمالهم في الجملة وما يتصوره بعض عمال الدولة ممن قضوا سنين في نجد والحجاز من أن العرب لا يتحضرون إلا إذا أهلكت جمالهم برمتها فيضطرون إلى السكنى ويكفون عن الغزو فهو كلام لم يراع به قائله حالة العمران والمكان وكيف يتخلى الأعراب عن تربية الأنعام وهي تدر عليهم رزقاً يسدون به حاجاتهم يستثمرون ألبانها وصوفها وشحمها وجلدها وعظامها ويبيعون حوارها وما يكبر من نياقها وجمالها. ومصر وحدها تبتاع من جمال الجزيرة العربية كل سنة ما لا يقل عن مئة ألف ليرة.
في الحجاز منافع كثيرة غفلت عنها الحكومة فلم تعرف حتى الآن غير إرهاف الحد وعندي إنها لو استعاضت مثلاً عن بناء اثنتي عشرة ثكنة من العلا إلى المدينة التي صرفت عليها ١٨٤ ألف ليرة ببعض حقول تنشئها لأعراب تلك الأنحاء وطرق للكسب توجدها لهم ومدارس ساذجة تعلم فيها بنيهم وبناتهم موجزات تنفعهم في دينهم ودنياهم لأحسن صنعاً.
ولا يستهان بعدد السكان هنا فإن جهينة وبلي والحويطات لا تقل عن سبعين ألف رجل وأكبر قبائل المدينة حرب وهي خمسون ألفاً ففي الوجهة وينبع والعلا والعقبة من أعمال المدينة مائتا ألف محارب كما قدر بعض العارفين وفي قضاء السوارقية عرب مطير وهتيم. وهتيم بقد مطير في العدد والمدد. وحدود المدينة تمتد إلى الفرع من جهة مكة وسكانها بادية كلهم وفيها قرى واسعة وقرى جوار المدينة اثنتا عشرة قرية. والفرع لا تحكمها مكة ولا المدينة وقوتهم كلهم الأرز الهندي والدقيق والتمر واللبن والأقط وأقل العرب واشرهم في أطراف هتيم ومطير. ومع كل ما في هذا القطر من الفقر تصدر منه بعض الحاصلات كالجلد والصمغ والتمر والأغنام والجمال والخيل والصوف والسمن ولو مد الخط الحجازي إلى مكة فالبحر الأحمر ومن مكة إلى صنعاء اليمن لتضاعفت صادرات الحجاز واليمن والشام ووارداتها وأمكن الناس ولاسيما الحجاج الخلاص من عاديات البدو بين الحرمين وزاد عدد الحاجين كل سنة ثلاثة أو أربعة أضعاف عددهم الآن.