من حق الضمير أن يطابق مرجعه تذكيراً وتأنيثاً وإفراداً وتثنية وجمعاً وكذلك اسم الإشارة كما هو معلوم عند صغار الطلبة ما خلا اسم الجمع فقد فضلوا في الإضمار له مراعاة اللفظ على مراعاة المعنى قلت لكن متى كان المقام يقتضي الكثرة كانت مراعاة المعنى عين مقتضى الحال فيقال هؤلاء قومٌ كرامٌ وهذا قوم كريم وهذا شعب شجاع وهؤلاء شعب شجعان وكذا حكم اسم الجنس فيقولون ورق خضر باعتبار المعنى وورق أخضر باعتبار اللفظ قال أبو خراش الهذلي:
تكاد يدي تندى إذا ما لمستها ... وتظهر في أطرافها الورق الخضر
ولم أجد من زاد على ذلك لكني رأيت في كلام من يوثق بهم جواز مطابقة الضمير واسم الإشارة للخبر. فإن كان المرجع مؤنثاً والخبر مذكراً أجازوا الإتيان بضمير المذكر. وكذا إذا كان المرجع مذكراً والخبر مؤنثاً مثال الأول قول التبريزي في شرح الحماسة: فائدة إذن هو أخرج البيت مخرج الجواب ومثال الثاني ما جاء في كامل المبرد من قوله: إذا صب لبن حليب على حامض فهي المرخة وهذا فاش في كلام الفصحاء وقد جاء في سورة الأنعام فلما رأى الشمس بازغة قال هذا ربي مكان هذه ربي. قال صاحب الكشاف فإن قلت ما وجه التذكير في قوله (هذا ربي) والإشارة للشمس قلت جعل المبتدأ مثل الخبر لكونهما عبارة عن شيء واحد. وقال صاحب أنوار التنزيل ذكر اسم الإشارة لتذكير الخبر وصيانة للرب عن التأنيث.
الدقيقة الثالثة
متى أريد بالمفرد العموم ولو لم يكن اسم جنس جمعي كالشجر أو اسم جمع كالشعب والقوم جاز أن يعامل في نعته والإضمار له والإخبار عنه معاملة الجمع وهذا مبني على اعتبار المعنى فقد جاء في سورة الأنعام وما من دابةٍ في الأرض ولا طائرٍ يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم قال الزمخشري فإن قلت كيف قيل أمم مع إفراد الدابة والطائر قلت لما كان قوله تعالى وما من دابةٍ في الأرض ولا طائرٍ يطير بجناحيه دالاً على معنى الاستغراق ومغنياً عن أن يقال وما من دوابٍ ولا طيرٍ حمل قوله إلا أمم على المعنى وقال البيضاوي وجمع الأمم للحمل على المعنى ومثله في القرآن أيضاً وكم من ملك في السموات لا تغني شفاعتهم