الأجسام ما تحدث. أضف إلى هذا كمية الغذاء وكيفيته على النحو الذي يتناوله العملة مما لا نسبة بيته وبين الأعمال الشاقة التي يتعاطونها ويقتضي لها من معوضات القوة ما يكفي ويشفي.
ومن الأوصاب التي شاعت في النصف الأخير من القرن في بلاد التمدن أمراض من دواعيها الاضطراب في التغذية والإكثار من الطعام وتدعى بلسان الطب ديستروفيك وهي على أشكال فمنها الرثية أو وجع المفاصل وأوجاع تصيب المثانة وتجعل فيها عسراً. وتجد المصابين بها زرافات كل سنة يغتسلون بالمياه المعدنية في فيشي وكارلسباد. وكان القدماء يظنون أن هذا المرض خاص بالأغنياء إلا أنه تبين مؤخراً أنه ما خص طبقة واحدة من الناس.
ومما عمت به البلوى من الأمراض في عهدنا وسببه الغذاء سلس البول السكري. مرض وإن اختلفت الأقوال في أسبابه فإنها لا تعدو أن تكون تأثرات أخلاقية مضنية واضطرابات وحصر للذهن عظيم وعمل عقلي مفرط وأوصاب طبيعية طويلة وأرق وقلة إغفاء. وكل ما يضعف الوظائف الدماغية ويصرف كثيراً من قوة الأعصاب. ومعظم من يختلفون إلى المياه المعدنية يستشفون بها هم من العلماء والساسة والماليين وأرباب الصنائع والأشغال والصيارف ممن حملوا أنفسهم فوق طاقتها.
وهناك كثير من الأمراض الحديثة التي جاءت مع الحضارة وهي من مفسدت الدم كالخنازير وأنواع الفقر الدموي وغيرها. فكما أن الكوليرا انتقلت إلى أوربا من آسيا فكذلك نقل أهل أوربا إلى أميركا وآسيا وجزء من إفريقية الحمى التيفوئيدية فإنها وإن عرفها القدماء باسم حمى خبيثة عفنية لم تعرف في أوربا إلا في سنة ١٨٢٠. وقد انتشرت الدفثيريا أو الخناق في هذه السنين انتشاراً وبيلاً حتى صار مرض الدفثيريا إحدى المصائب المهلكة للأطفال يشترك في التلقيح بجراثيمها أبناء القرى والمدن معاً وذلك لما يبذل من القوى العصبية في جهاد الحياة وبفضل تعدد طرق المواصلات واختصار الأبعاد فتنقل جراثيم عدواها بسرعة من البلاد الموبوءة بها إلى البلاد السليمة منها. والنزلات قد اشتدت وطأتها كثيراً وصارت وبائية وافدة تفتك فتكاً ذريعاً.