للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بابها للقارئ وإن أورثت كاتبها الخجل.

فلما ذكرت ماضي حياتي على النحو أي ذكرت ما أتيت من خير وما تم على يدي من شرر أيتني أقسم أدوار حياتي الطويلة إلى أربعة أدوار: أولها ذاك الدور العجيب وخصوصاً إذا قيس بالدور الذي يليه - البار البهيج الشعري وأعني به دور الطفولية. ثم الدور الثاني وهو العشرون سنة كان فيه من الفساد الغليظ والخدمة والطمع بالمعالي وخصوصاً في المكاسب ما كان. ثم جاء الدور الثالث وهو الثماني عشرة سنة أي منذ تزوجت إلى نشوري الروحي وهو الدور الذي يحق له أن يدعى في نظر العالم دور الأخلاق بمعنى أني عشت في هذه الثماني عشرة سنة كما تعيش الأسر بالحشمة والنظام غير مستسلم لمفسدة ينبذها الناس ولكن جميع مصالحي كانت مقصورة على عنايتي بأسرتي عناية مقرونة بحب الذات ممزوجة بالأنانية وعلى زيادة ثروتي وعلى نجاحي الأدبي وعلى مختلف حظوظ تنالها نفسي والدور الرابع يرد إلى العشرين سنة التي فيها أنا الآن وأود أن أموت عليها وبها يتمثل لي في الحياة الماضية من عظيم الخطر وهو الدور الذي لا أبغي سواه ما خلا اعتيادي الشر الذي اندمج في روحي في الأدوار الأخيرة.

وأرى كتابة حياتي على هذا النحو أنفع من هذر بدر من القلم في أثني عشر مجلداً من مصنفاتي وتنأولها الناس في عهدنا ونسبوا إليها من التأثير ما لا تستحقه.

كانت جدتي ابنة الأمير نقولا ايفإنوفيش غورتشاكوف الأعمى وكان غنياً تأثل وأرتاش وجمع حطام الدنيا شيئاً كثيراً. وكل ما أتصوره فيها أنها كانت قليلة التعلم كثيرة الذكاء وكانت مثل كثيراًت من أبناء وطنها على ذاك العهد تحسن الفرنسية أكثر من الروسية وكأن تعلمها عبارة عن معرفة هذه اللغة فقط فدللها والدها أولاً ثم زوجها وكانت عنواناً على الأسرة بأجمعها لأنها كانت بكرها وموضوع احترامهم أجمعين. وكان جدي على ما ظهر لي أيضاً على شاكلة جدتي محدود المعرفة ولكنه كان من اللطف والأنس على جانب وقد أدى به الكرم إلى الإسراف الذي بلغ حد الحمق. وكان بثقة يخلص وكانت في مقاطعة بيليف في بولياني ميدان الولائم وتمثيل الروايات والمراقص والمأدب ويضاف إلى ما يقتضي ذلك من النفقات ولوع جدي بالمقأمرة على ضعف معرفته فيها مع ما كان مني من إقراض كل من يقصده دراهم ما كان يرجعها إليه. هذا إلى الأعمال الكثيرة التي باشرها