للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بن زيدون ذي الابوة النبيهة بقرطبة والوسامة والدراية وحلاوة المنظوم والسلاطة وقوة العارضة والافتنان في المعرفة وقدمه إلى النظر على أهل الذمة لبعض الأمور المعترضة وقصره بعد على مكانه من الخاصة والسفارة بينه وبين الرؤساء فأحسن التصرف في ذلك وغلب على قلوب الملوك. وقال ابو مروان وكان أبو الوليد من أبناء وجوه الفقهاء بقرطبة في أيام الجماعة والفتنة وبرع أدبه وجاد شعره وعلا شأنه وانطلق لسانه فذهب به العجب كل مذهب وهون عنده كل مطلب وكان علقه من عبد الله بن احمد احد حكام قرطبة ما اداه إلى السجن فالقى نفسه يومئذ على أبي الوليد بن جهور في حياة والده أبي الحزم فشفع له وانتشله من نكبته وصيره في صنائعه ولما ولي الأمر بعد والده نوّه به واسنى خطته وقدمه في الدين اصطنع لدولته واوسع رايته وجلله كرامته ولم يقنعه ذلك فيما زعموا فاتفق أن عن له مطلب بحضرة ادريس الحسني بمالقة فأطال الثواء هنالك واقترب من ادريس وخف على نفسه واحضره مجالس أنسه فعنف عليه ابن جهور وصرفه في السفارة بينه وبين أمراء الأندلس فيما يجري بينهم من التراسل والمداخلة فاستقل بذلك بفضل ما أوتيه من العارضة بالنسب والجاه والمنفعة ولم يغنه ذلك عن التهافت في الترقي لبعد الهمة فهوى عما قليل إلى عباد صاحب إشبيلية فهاجر عن وطنه إليه ونزل في كنفه وصار من خواصه وصحابته يجالسه في خلواته ويسفر له في مهم رسائله على حال من التوسعة وكان ذهابه لعباد سنة إحدى وأربعين وأربعمائة.

قال أبو الحسن: فاما سعة ذرعه وتدفق طبعه وغزارة بيانه ورقة حاشية لسانه فالصبح الذي لا ينكر ولا يرد والرمل الذي لا يحصر ولا يعد اخبرني من لا ادفع خبره من وزراء إشبيلية قال: لعهدي بأبي الوليد قائماً على جنازة بعض حرمه والناس يعزونه على اختلاف طبقاتهم فما سمع يجيب أحداً بمثل ما أجاب به غيره لسعة ميدانه وحضور جنانه. وقد اخرجت من أشعاره التي هي حجول وغزر ونوادر أخباره التي هي مأثر وأثر ورسائله التي اخرست السنة الحفل (ما ستتلوه) ثم ذكر له ما يتعلق بذكر وفاة ذي الوزارتين فصل من تاريخ الشيخ أبي مروان ابن حيان رأيت اثباته لنبل مساقه وحسن اتساقه يقول فيه: وفي يوم الاثنين لثلاث عشرة ليلة خلت من ذي الحجة سنة اثنتين وستين وأربعمائة سار الحاجب سراج الدولة عباد بن محمد إلى إشبيلية الحضرة الاثيرة لمطالعتها وتأنيس أهلها