للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والإنابة وما هو إلا أن يضعف النفس عن الإحساس الطيب والأفكار الصالحة ويميت في نفسه كل شعور حي. يعمل ولكن من دون لذة. بل مكرهاً وما هو إلا كلا ولا حتى تصير البطالة في عينه عبئاً ثقيلاً والعمل عذاباً أليماً فيبلغ حالة لا يبلغها من المرء اعدى أعدائه وهل أشد خطراً من عدو داخلي ينهك القوى ويهدم الأسس. وقد قبل اعدى عدوك نفسك التي بين جنبيك والانكى من ذلك أن من يألفون الدعارة ويأخذون أنفسهم بالفسق لا يلبثون أن يعاشروا من هم على شاكلتهم على نحو ما جاء في الأمثال أن الطيور على أشكالها تقع وشبيه الشيء منجذب إليه. وهناك حدث ما شئت أن تحدث عمن يلقاهم من سخاف العقول وضعاف الآداب ينشط كل منهم صاحبه ويهيئ له سبيل الرذيلة ويحببها إليه وتراهم أبداً وأحاديثهم تدور على تلاعبهم وخلاعتهم ورقاعتهم في بيوتهم وأسرتهم ومع الناس أجمعين.

وهكذا ترى سوء السلوك يفسد القلب وينضب مادة الشعور الطيب الخالص فيصبح صاحبه مكروهاً فلا يعيش عيش الإنسان بل عيش الحيوان فسوء السلوك هو ألد أعداء العامل يبعد به عن النجاح والراحة والسعادة. ويا رب ماذا تكون حال العامل إذا ضعفت قواه وأسلمه سلوكه إلى الشقاء مدى العمر مؤدياً به كل يوم إلى أحقر المساكن. فإما أن يرميه مريضاً على حصير المستشفى أو على حضيض ملجأ الفقراء أو يموت تحت مبضع تلامذة الطب في المستشفيات.

ولا تسل عما يجلب هذا الحال من فساد نظام البيوت فإن الزوج أيضاً تحذو حذو زوجها وتنصرف إلى الرذيلة فترضع أبناءها سماً زعافاً من فسادها فما هو إلا أن يضيع عليهم مستقبلهم ويتعذر عليهم التحلي بالأخلاق الصالحة ولا يزال الفساد يدب من جيل إلى آخر ينقله الأب لابنه والأم لابنتها حتى تنحل بيوت أولئك العملة وكانت من قبل يتأتى لها أن تؤسس على التقوى وتعيش في هناء ويمسي أفرادهم وهم حلفاء شقاء وامتهان.

وبعد فإني أتقدم إلى من استرسلوا في هوى النفس أن يصلحوها ولا يقولوا الصيف ضيعت اللبن ولكن جئت في الزمن الأخير فإن إصلاح النفس يتأتى في الكبر كما يتأتى في الصغر. ومن لا يضبط نفسه زمان الفتوة وهو عهد العقل وسن الأماني الطاهرة والإخلاص الشريف هيهات أن يجيء منه ما ينفع أمته وينتفع هو به. فإصلاح النفس لازم في الكبر أكثر فإذا استقام أمر المرء شهوراً بل أياماً قبل موته لابد أن ينال اعتبار الجمهور