تظن إذا صدر النهار دخلتها ... كانك في قطع من الليل اسود
فلو كان للعباد فيها أقامة ... لصلوا بها ظهراً صلاة التهجد
يزور هبوب الريح الا فناءها ... فلم تحظ من وصل النسيم بموعد
تضيق بها الانفاس حتى كانما ... على كل حيزوم صفائح جلمد
وحتى كان القوم شدت رقابهم ... بحبل اختناق محكم القتل محصد
بها كل مخطوط الخشام مذلل ... متى قيد مجروراً إلى الضيم ينقد
يبيت بها والهم ملءاهابه ... بليلة متبول الحشا غير مقصد
يمييت بمكذوب العزاء نهاره ... ويحيى الليالي غير نوم مشرد
ينوء باعباء الهوان مقيداً ... ويكفيه أن لو كان غير مقيد
وتقذفهم تلك القبور بضغطها ... عليهم لحر الساحة المتوقد
فيرفع بعض من حصير ظلالة ... ويجلس فيها جلسة المتعبد
وليست تقيه الحر الا تعلة ... لنفس خلت من صبرها المتبدد
وبالثوب بعض يستظل وبعضهم ... بنسج لعاب الشمس في القيظ يرتدي
فمن كان منهم بالحصير مظللا ... يعدونه رب الطراف الممدد
ترأهم نهار الصيف سفعا كانهم ... اثافي أصلاها الطهاة بموقد
وجوه عليها للشحوب ملامح ... (تلوح كباقي الوشم في ظاهر اليد)
وقد عمهم قيد التعاسة موثقاً ... فلم يتميز مطلق عن مقيد
فسيدهم في عيشه مثل خادم ... وخادمهم في ذلة مثل سيد
يخوضون في مستنقع من روائج ... خبائث مهما يزدد الحر تزدد
تدور رؤوس القوم من شم نتنها ... فمن يك منهم عادم الشم يحسد
ترأهم سكأرى في العذاب ومأهم ... سكأرى ولكن من عذاب مشدد
وتحسبهم دوداً يعيش بحمأة ... وما هو من دود بها متولد
الا رب حر شاهد الحكم جائزاً ... يقود بنا قود الذلول المعبد
فقال ولم يجهز ونحن بمنتدى ... به غير مأمون الوشابة ينتدي
على أي حكم املاية حكمة ... ببغداد ضاع الحق من غير منشد