يطلق عليه هذا اللفظ على أن تعظيم العامة لهم ومجرد ذهابهم إلى أن العناية الغيبية راضية عنهم فيه من اللذة ما فيه هذا مع أنه لا دليل لهم على قهر انفسهم وكراهتهم للذة وغلوّهم في الزهد حدا بفرقة الكوكر أن ينددو بهم ويخطوهم. وقد رأينا طائفة من الفلاسفة مذهبهم أن السعادة هي أسمى فضيلة وفلسفتهم تدعي الهدونية فهوُّلاء يحرضون يحرضون على ترقية المدارك والعواطف وتمرينها على معالجة المحسوسات بحيث تصبح خليقة إن تكب منها كل ما من شانه جرُّ سرور لصاحبها او رفع الم عنه وعلى التمادي تصل به إلى السعادة المنشودة وكله استعداد لحياة تامة وهذا مما يقتضيه التهذيب على ما مرّ بك وتحث عليه الأخلاق.
تر مما تقدم اننا وصفنا التهذيب وصفاً عاما ونتوخى الان أن نورد لمعاً عن فروعه المتفاوتة ومأخذه المتعددة فمن جملة هذه الفروع التهذيب العملي وهو أعظمها خطراً على لمن الناس لا يقدرونه حق قدره وقد كاد يهمل أمره في كثير من معاهد الطلب وتلافى هذا الخطر أهل النظر فقاموا بشدون ازره وسعوا بإدخاله في لوائح المدارس. على أن المنافع التي تنجم عن التمرين العملي والمهارة اليدوية تتجلى لمن توقف معاشه عليهما وانحصرت مصادر ضرورات حياته فيها على أنه لا يسع من كانو في غنا عنها لما توفر عنهم من دواعي الثروة وأسباب الدعة الا الاقرار بالنفع الذي يتأتى من التحصن بهما.
ولا نزاع في أن هذا التهذيب ياتي بمرأفق خطيرة ينصرفون إلى الاشتغال بالصنائع وسائر الأعمال البدنية على أنه لا ينبعي أن يعني به كثيراً في تربية الطلبة الذين عقدوا النية على معطاة الصنائع في المستقبل لان هؤلاء يتيسر لهم فرص لاتمامه وحسبهم التمرن على شئ طفيف منه. أما الطلبة الذين يتوخون ولوج الدوائر العلية من المجتمع كوظائف الحكومة وسائر الأعمال العقلية فيجب أن تربى فيهم المهارة الفنية والقوة المدركة على السواء لان محيطهم المنتظر لا يمكنهم من الرياضة العضلية وإنهماكهم بمعضلات المسائل بنسيهم الواجب عليهم لابدانهم.
ثم أن الفرد الذي يهذب علقه وبدنه يكون أقل عرضة لعوامل الوجود وعوارض الطبيعة من مشوه الجسم واندهمته نكبة او بغتته حادثة فهو اقدر على درء ضرها عنه وقد يكون عوناً لاخوانه في كثير من الاحايين بيدان الضعيف من البشر يعرضه ضعفه إلى الوقوع