الأعمال وتوزيعها على الأفراد وكثيراً ما حدث التقدم بدون رضى الحكام. هذا يدلك على أن النشوء العمراني يجري مجراه فيكيف المجتمع وينوعه غير مبال بالعوائق التي يحاول الكبراء صده بها. ويليق بنا أن نعلم شيئا من الأعمال التي قام بها بعض الملوك ونطلع على أخلاقهم لما في ذلك من النفع لنا في إدراك مشاهد النشوء لتي حدثت في زمانهم والتي إن هي قصلت عن حوادثها وعن اشخاص كان لهم علاقة بها تعذر إدراكها حق الإدراك ثم أن المعرفة المتوسطة من هذا العلم تعيننا على إدراك الطبع البشري وتق بنا على بقاع نشرف منه على ما بلغه الإنسان عن طرفيق متناقضين وهما الصبر والخير فمن البشر من يسعى إلى دمار العمران وخرابه ومنعم من يسعى إلى إعلاء شانه وتوسيع نطاقه.
اما علم الأدب فلا ريب أن له شانا عظيما في تهذيب الفرد وأعداده لحياة تامة ولا يجب مع هذا أن يخص بوقت طويل لاسيما في تهذيب الرأشدين واعني بهم من بلغوا من العمر ما يناهز العشرين وذلك لأن البشر عموماً يرغبون العمل في أمور تلذهم ويستسهلون معاطاتها. فالتاريخ المتعارف والشعر والروايات وتراجم العظماء طالما عني بها كثيرون وانصبوا عليها وانصرفوا إليها أما العلم الذي يبحث عن طبيعة وظواهر الكون فليس للبشر ميل إليه ولذا وجبت العناية به أكثر من الأدبيات. على أن للدأبيات قدرا عظيماً عند أصحاب الهدونية يتخذونها من وسائل بلوغ السعادة لان عليها تترتب البلاغة في الحديث والطلاقة في اللسان ومنها تكتسب العبارة جزالة ورقة وبها تتولد اللذائذ العقلية وتنصبغ المشاريع الاجتماعية ولولاه لكان الحديث كناية عن ألفاظ يتفأهمون بها وهي خلو من الحياة كالجسم إذا فقد الروح.
بيد أن البشر يتطرفون جدا في متابعة تهذيب الفرد فمنهم من يفرط فيه ويغفله بتاتاً فيخسر فوائده جهلا. ومن سلك هذا المسلك هم السواد الأعظم من البشر ومنهم من يفرط فيه كان ينصرف بكليته إليه فيؤدي به هذا الإفراط إلى اضرار ربما كانت مهلكة.
قال أميرسون: إن من شرائط التهذيب الأولية أن يكون الفرد حيواناً قوياً وهو قول ينطبق على أفراد البشر بدون تفرقة. فالحياة التي تزري بالوجه الحيواني من الفرد ليست حياة. وإن كان يعذر صاحبها في بعض الاوال فإنه ملوم على وجه العموم ولو تقصينا أحوال البشر ومعارفهم لظهر لنا أنه لا يمكن انفصال العقل عن الحياة ولا أنفصال الحياة عن