ولقد دامت الحفريات أربعة أشهر يعاونني فيها أخلص تلاميذي وأقدمهم المسيو كليدا فقاسينا في عملنا عرق القربة وكانت أعمالنا لأول عهدها تدعو إلى اليأس ولاسيما فيما يتعلق بغايتي الخاصة. وذلك أنا لما وصلنا الجزيرة رأينا بعثة ألمانية قد سبقتنا إليها منذ سنة واختصت دوننا بطبيعة الحال بالموقع الحسن لإجراء الحفر واختارت أقدم بقعة يرجى أن يكون فيها خير كثير ويسعل على المعاول أن تحفر فيها.
فاكتفينا بما أغفلته تلك البعثة من الأراضي وأخذنا نجيل فيها قداح أنظارنا ونضرب فيها معاول عمالنا ولم يأتنا الحفر مدة شهرين بغير بعض الآثار المصرية واليونانية ولكنها كانت بكثرة ونادرة بنوعها ومنها عدة مسلات فرعونية وتمثالان جميلان لتوتمس الثالث مصنوعة من حجر الكرانيت الأسود ولاسيما قبر الرب خنوم أوشنوب أكبر أرباب أسوان وهو الذي لم يكن على اتفاق مع اليهود الذين وقعوا على الشكوى المذكورة آنفاً. وعثرنا على قاعة تحت الأرض لم تمس بأذى تحتوي على نواويس من الكرانيت والحجر الرملي جعلت عليها أغطية مذهبة وجملت بأجمل زينة من الصور والنقوش وهناك خمسة عشر كبشاً محنطاً مقدمة للثور أبيس على نحو ما اكتشف مثالاً من ذلك قديماً ماريت الفرنسوي في مدينة منفيس.
كل هذا حسن ونافع في ذاته ولكنه لم يقف دونه غرضي. لأني لم أتحمل مشقة السفر إلى أسوان للبحث عن العاديات المصرية بل للبحث عن الآثار اليهودية. وبعد أن كدنا نصل إلى أخريات وقت بعثتنا عثرنا بعد الجهد الجهيد على حارة اليهود الآرامية وظفرنا بكمية من النقوش المزبورة على الفخار مغشاة بكتابات آرامية يهودية. وقد كتب معظمها في وجهين. وهذه الكتابات النادرة على كثرة الخرق فيها قد أطلعتنا على جزء من المراسلات الودية اليومية التي جرت بين يهود جزيرة أسوان وأخوانهم يهود مدينة أسوان وقد كتبت في زمن واحد هي وأوراق البردي الآنف بيانها وبخط واحد ولغة واحدة حتى أن جملة الموقعين عليها نفس الأشخاص الذين عرفناهم بتلك الأوراق البردية، وذكر فيها اسم رب إسرائيل بصورة من الإملاء خاصة لم تكن تعهد. ولاشك أنه متى تمت قراءة هذه الآثار الفخارية نطلع على أمور جديرة بالنظر وكبيرة الخطر والقيمة.
وقد كان داهمنا الحر بخيله ورجله فأوقفت العمل في شهر أبريل وسنعادوه بعد أسابيع