إن للسلطان المقسط حقاً لا يصلح خاصة ولا عامة أمر إلا بإرادته فذو اللب حقيق أن يخلص لهم النصيحة ويبذل لهم الطاعة ويكتم سرهم ويزين سيرتهم ويذب بلسانه ويده عنهم ويتوخى مرضاتهم ويكون من أمره المواتاة لهم والإيثار لأهوائهم ورأيهم على هواه ويقدر الأمور على موافقتهم وإن كان ذلك مخالفاً. وأن يكون منه الجد في المخالفة لمن جانبهم وجهل حقهم ولا يواصل من الناس إلا من لا تباعد مواصلته إياه منهم ولا تحمله عدواة أحد له ولا إضرار به على الاضطغان عليهم ولا مواتاة أحد على الاستخفاف بشيء من أمورهم والانتقاص لشيء من حقهم ولا يكتمهم شيئاً من نصيحتهم ولا يتثاقل عن شيء من طاعتهم ولا يبطر إا أكرموه ولا يجترئ عليهم إذا قربوه ولا يطغى إذا سلطوه ولا يلحف إذا سألهم ولا يدخل عليهم المؤونة ولا يستثقل ما حملوه ولا يغتر بهم إذا رضوا عنه ولا يتغير لهم إذا سخطوا عليه وأن يحمدهم على ما أصاب من خير منهم أو من غيرهم فإنه لا يقدر أحد أن يصيبه بخير إلا بدفاع الله عنه بهم.
مما يدل على علم العالم معرفته بما يدرك من الأمور وإمساكه عما لا يدرك وتزيينه نفسه بالمكارم وظهور علمه للناس من غير أن يظهر منه فخر ولا عجب معرفته بزمانه الذي هو فيه وبصره بالناس وتحريه العدل في كل أمر ورحب ذرعه فيما نابه واحتجاجه بالحجج فيما عمل وحسن تبصيره من أراد أن يبصر شيئاً من علم الآخرة فبالعلم الذي يعرف ذلك.
ومن أرادج أن يبصر شيئاً من علم الدنيا فبالأشياء التي هي تدل عليه.
ليكن المرء مسؤولاً وليكن فصولاً بين الحق والباطل وليكن صدوقاً ليؤمن على ما قال وليكن ذا عهد ليوفى له بعهده وليكن شكوراً ليستوجب الزيادة وليكن جواداًُ ليكون للخير أهلاً وليكن رحيماً بالمضرورين لئلا يبتلى بالضر وليكن ودوداً لئلا يكون معدناً لأخلاق الشيطان.
وليكن حافظاً للسانه مقبلاً على شأنه لئلا يؤخذ بما لم يجترم وليكن متواضعاً ليفرح له بالخير ولا يحسد عليه وليكن قنعاً لتقر عينه بما أوتي وليسر للناس بالخير لئلا يؤذيه الحسد.