دعوا بالهاروسبيسيين أو أهل الفل قواعد يجرون عليها للتنبؤ عن المستقبل فيرصدون أحشاء الضحايا كما يرصدون الصاعقة وطيران الطير فيقف العرف ويدير وجهه نحو الشمال ماسكاً بيده عصا معقوفة ويخط خط يقطع به السماء شطرين فشطر الشرق وهو على اليمين يكون فأل خير وفأل الشمال يكون فأل شر ثم يقطع الشطر الأول على قطع الصليب ويؤلف خطوطاً متوازية يكون منها في السماء شكل مربع يدعونه المعبد فيرمي العرّاف ببصره إلى الطيور التي تمر في ذاك المربع فبعضها كالنسر علامة خير وأخرى كالبومة طالع شؤم.
ولقد تنبأ الأتروكسيون عن مستقبلهم بأنفسهم فهم الشعب الوحيد من بين الشعوب القديمة الذي لم يعتقد بأنه خالد وكانوا يقولون أن بلادهم يدون أمرها عشرة قرون وهذه القرون لم يكن كل واحد منها مؤلفاً من مئة سنة ولا تعين مدة القرن إلا بعد أن يجري له فأل. ففي سنة ٤٤ وهي سنة وفاة قيصر ظهر في السماء نجم مذنب فقال أحد العرافين من الأتروسكيين في رومية في جمع من الأمة أن هذا النجم يشير إلى نهاية القرن التاسع وابتداء القرن العاشر وهو آخر قرن يستقيم فيه أمر الأتروسكيين.
نفوذ الأتروسكيين: كان الرومان أمة نصف متوحشة فاقتدوا كثيراً بالأتروسكيين وهم أكثر منهم تمدناً وأخذوا عنهم بعض المصطلحات الدينية خاصة مثل ألبسة الكهنة والحكام والشعائر الدينية وعلم معرفة الغيب وزجر الطيور وعندما كان الرومانيون يؤسسون مدينة يجرون على شعائر الأتروسكيين فيخط المؤسس لها بالمحراث سوراً مربعاً وللمحراث سكة من النحاس يجرها ثور أبيض وبقرة بيضاء فيتبع الناس المؤسس ويلقون بمزيد من العناية جميع مدر الأرض من ناحية السور وتصبح كل الهوة التي يشقها المحراث مقدسة لا يستطيع أحد أن يتعداها للدخول في السور ولذلك اقتضى أن يقطع المؤسس تلك الأثلام أو الهوى المقدسة من عدة مواقع فكل مكان يتخطاه المحراث يفتح فيه باب وكل فرجة لم تمسسها السكة تبقى غير مقدسة وتكون باباً يسوغ منه الدخول. ولقد أسست رومية بحسب هذه المراسيم الدينية وكانت تسمة رومية المربعة ويقولون أن مؤسسها قتل أخاه عقاباً له عن تجاوزه السور المقدس الذي خطه ثم جرى الاصطلاح أن تخطط أسوار المستعمرات والمعسكرات الرومانية بل وحدود المساكن بحسب هذه القواعد الدينية وبخطوط نصف