قبورٌ بها نامت أوانس خرَّدٌ ... ونامت بها في جنبهن الذوائب
فجاشت هناك النفس من لاعج الجوى ... وقلت لهاتيك القبور أخاطب
هنا فيك قد غابت حسان كواعب ... فما فعلت تلك الحسان الكواعب
وما فعلت تلك السوالف في الثرى ... وما فعلت في الترب تلك الترائب
إلى من تشير اليوم فيك عيونها ... وفوق العيون النجل تلك الحواجب
نجوم جمالٍ أمعنت في غروبها ... وأنت لهاتيك النجوم المغارب
وكانت مشيدات القصور بروجها ... فمن أين جاءتها تصيب المعاطب
لقد كنّ أما ودهن فحاضرٌ ... قريبٌ وأما صدهن فعازب
وفي كل يوم كان للزي مطلبٌ ... لهن تجلى منه فيما يناسب
ولكنكما اليوم انتهت لتعاستي ... بثوب الأكفان تلك المطالب
وكنَّ كأزهار الربيع مبادياً ... أهذي لهاتيك المبادي عواقب
قد انتزعتها من حياتي يبد الردى ... كما ينهب العقد المفصل ناهب
هنالك جادت أعيني بدموعها ... فهن على الخدين مني سوارب
هنالك من نفسي وصدق طويتي ... تمنيت لو أن المنون تقارب
نظرت إلى قلبي وكان بجانبي ... إذا هو من فرط الكآبة ذائب
فلملمت ذوب القلب ثم سكبته ... على جدث فيه حبيبي غائب
وألفيت في نفسي العزاء كمعبدٍ ... قد انهدَّ منه جانب ثم جانب
وفارقني لبي لهيبة مصرعي ... فأبعد عني في الفلا وهو هارب
وجدت على الأيام والطب والغنى ... وقلت لهم إني عليكم عاتب
وأوحشت الدنيا كأن بيوتها ... بعيني وإن كانت قصوراً خرائب
مكثت إلى أن أقبل الليل زاحفاً ... وأظلم منه في عيوني الجوانب
فأبت لي داري وفي شعب الحشى ... لهيبٌ من الحزن المبرّح لاهب
وليس معي في أوبتي لا نهىً ولا ... عزاءٌ ولا قلب لشخصي صاحب
سوى نفس في الصدر مني مردد ... فذلك طول الليل آت وذاهب
ستبسم في وجهي المنون كأنّها ... محب يسي أو صديق يراقب