وقلت اعصني يا شعر في المدح إنني ... أرى الناس موتى تستحق المراثيا
ولو رضيت نفسي بأمرٍ يشينها ... لما نطقت بالشعر إلاّ أهاجيا
وكم قام ينعي حين أنشدت مادحاً ... إليّ الندى ناع فأنشدت راثيا
وكم بشرتني بالوفاء مقالةٌ ... فلما انتهت للفعل كانت مناعيا
فلما بكى أمسكت فضل رداءه ... وكفكفت دمعاً فوق خديه جاريا
وقلت له هون عليك فإنما ... تنوب دواهي الدهر من كان داهيا
وما ضر أن أصفيت ودك معشراً ... من الناس لم يجنوا لك الود صافيا
كفى مفخراً إن قد وفيت ولم يفوا ... فكنت الفتى الأعلى وكانوا الأدانيا
لعلَّ الذي أشجاك يعقب راحةً ... فقد يشكر الإنسان ما كان شاكيا
ألا رُبَّ شر جرَّ خيراً وربما ... يجر تجافينا إلينا التصافيا
فلو أن ماء البحر لم يك مالحاً ... لرحنا من الطوفان نشكو الغواديا
ولولا اختلاف الجذب والدفع لم تكن ... نجومٌ بأفلاكٍ لهن جواريا
وكيف ترى للكهرباء ظواهراً ... إذا هي في الإثبات لم تلق نافيا
تموت القرى إن لم تكن في تباين ... ويحيين ما دام التباين باقيا
فلا تعجبن من أننا في تنافر ... ألم تر في الكون التنافر ساريا
وهبهم جفوك اليوم بخلاً بودهم ... ألم تغن عنهم إن ملكت القوافيا
فطرْ في سموات القريض مرفرفاً ... واطلع لنا فيها النجوم الدراريا
فأنت امرؤٌ تعطي القوافي حقها ... فتبدو وإن أرخصتهن غواليا
يجيئك عفواً إن أمرت شرودها ... وتأتيك طوعاً إن دعوت العواصيا
فقال وقد ألقى على الصدر كفه ... فشدّ بها قلباً من الوجد هافيا
لقد جئتني بالقول رطباً ويابساً ... فداويت لي سقماً وهيجت ثانيا
فإني وإن أبدى لي القوم جفوة ... أُمني لهم مما أحب الأمانيا
وما أنا عن قومي غنياً وإن أكن ... أطاول في العز الجبال الرواسيا
إذا ناب قومي حادث الدهر نابني ... وإن كنت عنهم نازح الدار نائيا
وما ينفع الشعر الذي أنا قائلٌ ... إذا لم أكن للقوم في النفع ساعيا