فإن أهل الخير الذين عملوا الإحسان منذ كان العالم قد ساعدوا على سعادة البشر أكثر من أرباب العقول السامية الذين تتمثل أسماؤهم في التاريخ فلو كانت ارتقت أخلاقنا منذ أوائل القرن الماضي كما ارتقت علومنا ولو كملت قلوبنا كما كملت قوانا العقلية لكنا منذ زمن خففنا مصائب الناس إلى أدنى ما يمكن. وإن يوماً نتوصل فيه إلى تأليف إنسانية كاملة لا يرى السواد الأعظم من أعضائها بؤس فرد بدون أن يعينه من تلقاء نفسه نكون قد ظفرنا فيه بالسعادة على هذه الأرض وحللنا بالسلم الأزمة الاجتماعية التي تقودنا إلى المهالك.
وعندي أن يعمم تعليم تربية الأطفال ويتعلم بنات المدارس ما ينبغي للمرضعات وأن يعلمن كيف يغاث البائسون وأرباب الأدواء يطلعن على تاريخ الجمعيات الخيرية ودور الإحسان وإن عمل الفرد وحده ضعيف في نتائجه وإن لم يضم عمله إلى عمل غيره فيكون للمجتمع أعمال منظمة بنظام الذكاء والتعقل وأن لا يعود البنات على الاعتقاد بفعل الخير نظرياً بل أن يعملن بأنفسهن الخير في المدارس ويشتركن في إعانة المجتمع.
مدح التأني
كتب هنري لافدان أحد أعضاء المجمع العلمي الباريزي في جريدة (الآنال) يذم العجلة ويمدح التأني قال: لو كنت غنياً ما تأخرت عن أن أوصي بمبلغ يخصص ريعه كل سنتين أو ثلاث جائزة لم يجيد في مدح التأتي وذلك لأنا نرى هذه المحمدة آخذة ويا للأسف بالتناقص فمن اللازم اللازب أن تعاد إليها الثقة الماضية والشرف الدراج لأنا إذا ظللنا على هذه الحال نهلك بالعجلة لا محالة.
كلما قضى أحدنا بضعة أشهر في الضواحي وعاد إلى باريز يأخذه العجب من تموجها في أعمالها ويشعر بالقلق والاضطراب والسرعة والحركة والآلام ويدهش من السرعة الجديدة المنظمة الممرضة في جميع أعمال الحياة. ولا يزال هذا الجنون يزداد على نسبة مخوفة ويكثر ويزيد سخط القادم من العجلة المتضلة التي تطوح بنا في هذه المهاوي المنوعة التي نكاد لا نراها لسرعة مرورها على بصرنا ولأن وقتنا لا يسمح لنا بإمعان النظر.
نحن نسرع في كل أمر وكلما حركنا جنون السرعة أثبتنا أن الحكمة تقودنا فلا يقنعنا إلا أن نصل قبل أن نسافر وآراؤنا مضطربة تود السباق وتتضارب أولئك السذج الذين يتدافعون ليلقوا قبل غيرهم رسائلهم في صندوق البريد وقد كتبوا عليها معجلة وهماً منهم أنهم إذا