للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

بعضها فقط يحوي القليل من النقود الذهبية فجردها كلها بيده ثم وضعها وهو يهمس قائلاً: قد ذهبت كلها ولم يبق إلا القليل! ثم عالج صندوق كبير فأخرج غطاؤه ولم يكن فيه غير كتاب متوسط الحجم فلما رآه وقف قليلاً وهو يحدق فيه ثم أخرج القفاز من يديه وتقدم من الشباك ورفع طاقيته فوضعها على المنضدة وفتح الكتاب ولم يفتحه ليقرأ فيه بل إنه لم صفحة اسمه وهذا الكتاب هو تفسير الكتاب المقدس باللاتيني وكان لابنه الصغير عندما كان في المدرسة. ولم يقرأ ما فيه ولكن نظره وقع على الصفحة التي كتب عليها بيد طفل مبتدئ هاتان الكلمتان يوحنا كريمور وبقي ينظر في الكتاب ملياً وهو يمسكه بيده وعيناه ناظرتان لهذا الاسم وهما لا تريان غيره وعندها فاضت بالعبرات فتساقطت على الاسم وعلى الصفحة وحاول أن يكفكفهما بكم قميصه الممزق. وعند ذلك أطبق الكتاب ووضعه في الصندوق وأدخله في الخزانة وأغلقها ووضع طاقيته على رأسع وقفازه بيده وراح يخطر في الغرفة وسرموجه (شبشب أو صرماية) في رجله ليسمع صوته ووقف جاعلاً رجله على الأخرى بالقرب من النافذة ونظر إلى خارج وتنهد وهو يكلم نفسه قائلاً: مع الفائدة وفائدة الفائدة ولعل هذا صحيح. ثم علت وجهه الكآبة والحزن.

(٥)

وفي بعض الأيام دخل ماركوس الصغير وهو يبكي إلى المطبخ حيث كانت مريم قائلاً: إن جدي مات في كرسيه. فقالت له وكيف ذلك ولم تكن حالته في خطر لم يكن وجوده حملاً ثقيلاً علينا ثم قصدت الغرفة فوجدته ملقى على الدف وقد ظهر لها أنه جاءته نوبة وهو في كرسيه وأدركت في الحال أنه لم يمت فحملته إلى سريره واستدعت الطبيب فحضر ورأى كريمور غائباً عن رشده وعيناه مغمضتان وقد فلجت جميع أعضائه. فوقع الطبيب في حيرة ولما سألته مريم بأن يوضع على رأسه خرق تجعل في ماء فاتر وأن يفصد إلا أن كريمور قضى الليل كله وجميع نهار الغد بدون حركة. وعند المساء فتح عينيه قليلاً ورجفت يداه وكان ماركوس جالساً على صندوق بالقرب من سرير كريمور وعيناه تفيضان بالدمع وهو ينظر إلى جده ومريم واقفة بالقرب من الشباك ترتب الكراسي ففتح كريمور شفتيه قليلاً كأنه يريد أن يتكلم وتنفس الصعداء فلم يبن منه إلا مقطع واحد من مقاطع الحروف وهو الفا الفا أي الفائدة وهي الكلمة التي طالما رددها بقوله الفائدة وفائدة الفائدة ثم