طلبت يفاع الأرض دون وهادها ... فتوقدت في رأس شامخة الذرى
أو هل تزور النار ساحة جنة ... أجريت فيها من نداك الكوثرا
أنشأت فيها للعيون بدائعاً ... زفت فأدخل حسنها من أبصرا
فمن الرخام مسيراً ومسهماً ... ومنمنماً ومدرهماً ومدنرا
والعاج بين الأبنوس كأنه ... أرض من الكافور تنبت عنبرا
قد كان منظرها بهياً رائقاً ... فجعلتها بالوشي أبهى منظرا
وكذاك جيد الظبي يحسن عاطلاً ... ويروقك البيت الحرام مسترا
ألبستها بيض الستور وحمرها ... فأتت كزهر الورد أبيض أحمرا
فمجالس كسيت رقيماً أبيضاً ... ومجالس كيت طميماً أصفرا
لم يبق نوع صامت أو ناطق ... إلا غدا فيها الجميع مصورا
فيها حدائق لم تجدها ديمة ... أبداً ولا نبتت على وجه الثرى
والطير مذ وقعت على أغصانها ... وثمارها لم تستطع أن تنفرا
لا تعدم الأبصار بين مروجها ... ليثاً ولا ظبياً بوجرة أعفرا
أنست نوافر وحشها بسباعها ... فظباؤها لا تتقي أسد الشرى
وبها زرافات كأن رقابها ... في الطول ألوية تؤم العسكرا
نوبية المنشي تريك من المها ... روقاً ومن بُزل المهارى مشفرا
جبلت على الإقعاء من أعجابها ... فتخالها للتيه تمشي القهقرا
دارت الأيام دورتها وكتب لصلاح الدين يوسف أن يقلب الدولة الفاطمية ويديل منها الأمر للعباسية فأصبح شاعرنا بعد أن كانت عطايا الفاطميين تغدق عليه إغداقاً مقتراً عليه في الرزق يسأل فلا يجاب ويهز الأكف فلا تندى ويعرض حاله ويعرّض بنواله فلا يؤبه له وبقي أشهراً على هذه الحال وقد انقطعت عنه النعم السالفة فلم يجد له أهل الحل والعقد في مصر من يعوضه عن بعض ما كان يتناوله فصار إلى الحور بعد الكور ونعوذ بالله من زوال النعم. فكتب إلى الملك الناصر صلاح الدين يوسف قصيدة لم ينشدها وقد ترجمها بشكاية المتظلم ونكاية المتألم وهي تعرب عما لقي من الألاقي والشدائد قال:
أيا أذن الأيام إن قلت فاسمعي ... لنفثة مصدور وأنة موجع