لا تكونن نزر الكلام والسلام ولا تفرطن بالهشاشة والبشاشة فإن إحداهما من الكبر والأخرى من السخف.
إذ كنت لا تضبط أمرك ولا تصول على عدوك إلا بقوم لست منهم على ثقة من رأي ولا حفاظ من نية فلا تنفعك نافعة حتى تحولهم إن استطعت إلى الرأي والأدب الذي بمثله تكون الثقة أو تستبدل بهم إن لم تستطع نقلهم إلى ما تريد ولا تغرنك قوتك بهم وإنما أنت في ذلك كراكب الأسد الذي يهابه من نظر إليه وهو لمركبه أهيب.
ليس عملك أن يغضب لأن القدرة من وراء حاجته. وليس له أن يكذب لأنه لا يقدر أحد على استكراهه على غير ما يريد. وليس له أن يبخل لأنه أقل الناس عذراً في تخوف الفقر وليس له أن يكون حقوداً لأن خطره قد عظم عن مجازاة كل الناس. وليتق أن يكون حلافاً فأحق الناس باتقاء الإيمان الملوك فإنما يحمل الرجل على الحلف إحدى هذه الخلال إما مهانة يجدها في نفسه وضرع وحاجة إلى تصديق الناس إياه وأما عيٌّ بالكلام حتى يجعل الإيمان له حشواً ووصلاً وإما تهمة قد عرفها من الناس لحديثه فهو ينزل نفسه منزلة من لا يقبل منه قوله إلا بعد جهد اليمين وأما عبث في القول أو إرسال اللسان على غير روية ولا تقدير.
لا عيب على الملك في تعيشه وتنعمه إذا تعهد الجسيم من أمره وفوض ما دون ذلك إلى الكفاة.
كل الناس حقيق حين ينظر في أمر الناس أن يتهم نظره بعين الريبة وقلبه بعين المقت فإنهما يريان الجور ويحملان على الباطل ويقبحان الحسن ويحسنان القبيح وأحق الناس باتهام عين الريبة وعين المقت الملك الذي ما وقع في قلبه لاربا مع ما يقبض له من تزيين القرناء والوزراء وأحق الناس بإجبار نفسه على العدل في النظر والقول والفعل الوالي الذي ما قال أو فعل كان أمراً نافذاً غير مردود.
ليعلم الوالي أن الناس يصفون الولاة بسوء العهد ونسيان الود فليكابد نقض قولهم وليبطل عن نفسه وعن الولاة صفات السوء التي يوصفون بها.
ليتفقد الوالي فيما يتفقد من أمور الرعية فاقة الأحرار منهم فليعمل في سدها وطغيان السفلة