أو يده قوية على العمل فإنما هذا من صفات الحمير ولكن أن يكون للنفس غلوباً وللأمور محتملاً وفي الضر متجملاً ولنفسه عند الرأي والحفاظ مرتبطاً وللحزم مؤثراً والهوى تاركاً وللمشقة التي يرجو عاقبتها مستخفاً وعلى مجاهدة الأهواء والشهوات مواظباً ولبصره بعزمه منفذاً.
حبب إلى نفسك العلم حتى تألفه وتلزمه ويكون هو لهواك ولذتك وسلوتك وبلغتك. واعلم أن العلم علمان علم للمنافع وعلم لتزكية العقل وأفشى العلمين وأجداهما أن ينشط له صاحبه من غير ان يحرض عليه علم المنافع وللعلم الذي هو ذكاء العقول وصقالها وجلاؤها فضيلة منزلة عند أهل الفضل في الألباب.
عود نفسك السخاء واعلم أنهما سخاآن سخاوة نفس الرجل بما في يديه وسخاوته عما في أيدي الناس وسخاوة نفس الرجل بما في يديه أكثرهما واقربهما من أن تدخل فيه المفاخرة وتركه ما في أيدي الناس أمحض في التكرم وأنزه من الدنس فإن هو جمعهما فبذل وعف فقد استكمل الجود والكرم.
ليكن من تصرف به الأذى والعذاب عن نفسك ألا تكون حسوداً فإن الحسد خلق لئيم ومن لؤمه أن يوكل بالأدنى فالأدنى من الأقارب والأكفاء والخلطاء فليكن ما تقابل به الحسد أن تعلم أن خير ما تكون حين تكون مع من هو خير منك وأن غنماً يكون أن يكون عشيرك وخليطك أفضل منك في العلم فتقتبس من علمه وأفضل منك في القوة فيدفع عنك بقوته وأفضل منك في المال فتفيد من ماله وأفضل منك في الجاه فتصيب حاجتك بجاهه وأفضل منك في الدين فتزداد صلاحاً بصلاحه.
ليكن ما تنظر فيه من أمر عدوك وحاسدك أن تعلم أنه لا ينفعك أن تخبر عدوك أنك له عدو فتنذره نفسك وتؤذنه بحربك قبل الأعداء والفرصة فتحمله على التسلح لك وتوقد ناره عليك.
اعلم أن أعظم خطرك أن تري عدوك أنك لا تتخذه عدواً فإن لك غرة له وسبيل لك إلى القدرة عليه فإن أنت قدرت فاستطعت اغتفاراً لعداوته عن أن تكافئ بها فهنالك استكملت عظيم الخطر وإن كنت مكافئاً بالعدوة والضرر فإياك أن تكافئ عداوة السر بعداوة العلانية وعداوة الخاصة بعداوة العامة فإن ذلك هو الظلم والعار واعلم مع ذلك أنه ليس كل العداوة