في تركه ضرراً تقول: ألم أقل لك ألم أفعل فإن هذا مجانب لأدب الحكماء.
اعلم فيما تكلم به صاحبك أن مما يهجن صواب ما تأتي به ويذهب بهجته ويذري بقبوله عجلتك في ذلك قبل أن يفضي إليك بذات نفسه. ومن الأخلاق السيئة على كل حال مغالبة الرجل على كلامه والاعتراض فيه والقطع فيه ومن الأخلاق التي أنت جدير بتركها إذا حدث الرجل حديثاً تعرفه ألا تسابقه إليه وتفتحه عليه وتشاركه فيه حتى كأنك تظهر للناس بأنك تريد أن يعلموا أنك تعلم من مثل الذي يعلم وما عليك أن تهنئه بذلك وتفرده به وهذا الباب من أبواب البخل وأبوابه الغامضة كثيرة.
إذا كنت في قوم ليسوا بلغاء ولا فصحاء فدع عنهم التطاول عليهم في البلاغة أو الفصاحة.
اعلم أن بعض شدة الحذر عون عليك فيما تحذر وإن شدة الاتقاء يدعو إليك ما تتقي.
إن رأيت نفسك تصاغرت إليها الدنيا ودعتك إلى الزهادة فيها على حال تعذر منها عليك فلا يغرنك ذلك من نفسك على تلك الحال فإنها ليست بزهادة ولكنها ضجر واستخذاء وتغير نفس عند ما أعجزك من الدنيا وغضب منك عليها مما التوى عليك منها ولو تممت على رفضها وأمسكت عن طلبها أوشكت أن ترى من نفسك من الضجر والجزع أشد من ضجرك الأول بأضعاف ولكن إذا دعتك نفسك إلى رفض الدنيا وهي مقبلة عليك فأسرع إجابتها.
اعرف عورتك وإياك أن تعرّض بأحد فيما شاركها وإذا ذكرت من أحد خليقته فلا تناضل عنه مناضلة المدافع عن نفسه فتتهم بمثلها ولا تلحَّ كل الإلحاح وليكن ما كان فلا تعمن جيلاً من الناس أو أمة بشتم ولا ذم فإنك لا تدري لعلك تتناول بعض أعراض جلسائك ولا تعلم. ولا تذمن مع ذلك اسماً من أسماء الرجال أو النساء بأن تقول أن هذا لقبيح من الأسماء فإنك لا تدري لعل ذلك موافق لبعض جلسائك في بعض أسماء الأهلين والحرم ولا تستصغرن من هذا شيئاً فكله يجرح القلب وجرح اللسان أشد من جرح اليد.
اعلم أن الناس يخدعون أنفسهم بالتعريض والتوقيع بالرجال في التماس مثالبهم ومساويهم ونقيصتهم وكل ذلك أبين عند سامعيه من وضح الصبح فلا تكونن من ذلك في غرور ولاتجعلن نفسك من أهله.
إني مخبرك عن صاحب كان أعظم الناس في عيني وكان رأس ما أعظمه عندي صغر