للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ما آتاه في نيته ومقدرته وعزمه ثم لم يزل يرى ذلك من الناس حتى عرفه منه جهالهم فضلاً عن علمائهم. وصنع الله لأمير المؤمنين في رأيه وأتباعه مرضاته وأذل الله لأمير المؤمنين رعيته بما جمع له من اللين والعفو فإن لان لأحد منهم ففي الأثخان له شهيد على أن ذلك ليس بضعف ولا مصانعة وإن اشتد على أحد منهم ففي العفو شهيد على أن ذلك ليس بعنف ولا خرق مع أمور سوى ذلك يكفُّ عن ذكرها كراهة أن يكون كأنا نصبنا المدح. فما أخلق هذه الأشياء أن تكون عتاداً لكل جسيم من الخير في الدنيا والآخرة واليوم والغد والخاصة والعامة. وما أرجانا لأن يكون أمير المؤمنين بما أصلح الله الأمة من بعده أشد اهتماماً من بعض الولاة بما لا يصلح رعيته في سلطانه وما أشد ما قد استبان لنا أمير المؤمنين أطول بأمر الأمة عناية ولها نظراً وتقديراً من الرجل منا بخاصة أهله ففي دون هذا ما يثبت الأمل وينشط العمل ولا قوة إلا بالله ولله الحمد وعلى الله التمام.

فمن الأمور التي يذكر بها أمير المؤمنين أمتع الله به أمر هذا الجند من أهل خراسان فإنهم جند لم يدرك مثلهم في الإسلام وفيهم منعة بما يتم فضلهم إن شاء الله. أما هم فأهل بصر بالطاعة وفضل عند الناس وعفاف نفوس وفروج وكف عن الفساد وذل للولاة فهذه حال لا نعلمها توجد عند أحد غيرهم. وأما ما يحتاجون فيه إلى المنعة من ذلك تقويم أيديهم ورأيهم وكلامهم فإن في ذلك اليوم اختلاطاً من رأسي مفرط غال وتابع متحير شالٍ. ومن كان إنما يصول على الناس بقوم لا يعرف منهم الموافقة في الرأي والقول والسيرة فهو كراكب الأسد الذي يوجل من رآه والراكب أشد وجلاً. فلو أن أمير المؤمنين كتب لهم أماناً معروفاً بليغاً وجيزاً محيطاً بكل شيء يجب أن يقول فيه ويكفوا عنه بالغاً في الحجة قاصراً عن الغلو يحفظه رؤساؤهم حتى يقود به دهماءهم ويتعهد به منهم من لا يؤبه له من عرض الناس لكان ذلك إن شاء الله لرأيهم صلاحاً وعلى من سواهم حجة وعند الله عذراً. فإن كثيراً من المتكلمين من قواد أمير المؤمنين اليوم إنما عامة كلامهم فيما يؤمر الأمر ويرغم الرغم أن أمير المؤمنين لو أمر الجبال أن تسير سارت ولو أمر أن تستدبر القبلة بالصلاة فعل ذلك وهذا كلام قلما (يرتضيه) من كان مخالفاً وقلما يرد في سمع السامع إلا أحدث في قلبه ريبة وشكاً.

والذي يقول أهل القصد من المسلمين هو أقوى للأمر وأعز للسلطان وأقمع للمخالف