للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

النصيحة مطوي الضمير على الطاعة.

ثم أحضر من نفسك وقاراً تستدعي منهم بك الهيبة واستئناساً يعطف إليك منهم بالمودة وإنصافاً يغل أقاصيهم عما تكره أن ينتشر عنك من سخافة الرأي ويقطعك دون الفكر.

وتعلم إن خلوت بسر فألقيت دونه ستورك وأغلقت عليه أبوابك فذلك لا محالة مكشوف للعامة ظاهر عنك وإن استترت بما ولعل وما أرى إذاعة ذلك. فاعلم بما يرون من حالات من ينقطع به من تلك المواطن فتقدم في أحكام ذلك من نفسك وسد خلله عنك فإنه ليس حد أسرع غليه سوء القالة ولغط العامة بخير أو شر ممن كان في مثل حالك ومكانك الذي أصبحت فيه من دين الله والأمل المرجو المنتظر. وإياك أن يغمز فيك أحد من عامتك وبطانة خدمك بضعفة يجد بها مساغاً إلى النطق عندك بما لا يعتزلك عيبه ولا تخلو من لائمته ولا تأمن سوء القالة فيه إن نجم ظاهراً وعلن بادياً ولن يجترؤا على تلك عندك إلا أن يروا منك إصغاء إليها وقبولاً لها وترخيصاً بها.

ثم إياك أن يفاض عندك بشيء من الفكاهات والحكايات والمزاح والمضاحك التي يستخف بها أهل البطالة ويتسرع نحوها ذوو الجهالة ويجد فيها أهل الحسد مقالاً لعيب يرفعونه ولطعن في حق يجحدونه مع ما في ذلك من نقس الرأي ودرن العرض وهدم الشرف وتأثيل الغفلة وقوة طباع السوء الكامنة في بني آدم كمون النار في الحجر الصلد فإذا قدح لاح شرره ولهب في وميضه ووقد تضرمه. وليست في أحد أقوى سطوة وأظهر توقداً أو أعلى كموناً وأسرع إليه بالعيب منها إلى من كان في سنك من إغفال الرجال وذوي العنفوان في الحداثة الذين لم يقع عليهم سمات الأمور ناطقاً عليهم لائحها ظاهراً عليهم وسمها ولم تمحضهم شهامتها مظهرة للعامة فضلهم مذيعة حسن الذكر عنهم ولم يبلغ بهم الصمت في الحركة مستمعات يدفعون به عن أنفسهم نواطق السن أهل البغي ومواد إبصار أهل الحسد.

ثم تعهد من نفسك لطيف عيب لازم لكثير من أهل السلطان والقدرة من أقطار الذرع ونخوة التيه فإنها تسرع بهم إلى فساد رأيهم وتهجين عقولهم في مواطن جمة منها قلة اقتدارهم على ضبط أنفسهم في مواكبهم ومسايرتهم العامة. فمن مقلقل شخصه يكثر الالتفات تزدهيه الخفة ويبطره إجلاب الرجال حوله ومن مقبل في موكبه على مداعبة مسايره بالمصاحبة له