وفي خلال تلك المدة تعرف إلى رجل من الأغنياء فاعجب به كل الإعجاب وأكرم مثواه وأحله منه المكان الذي ينبغي أن يحله أمثاله وقام له في داره في لندن بل في مصايفه في ضاحيتها بوسائط العيش ورفاهية الحياة وكانت تلك الأعوام هي غاية سعادته ومجده ومازال على تلك الحال يكتب وينشر ويشتهر أمره حتى توفي صديقه بل حاميه بعد ست سنين من صحبة أتته بفوائد جزيلة أقلها أنه استطاع أن يتجول في البلاد على نفقته فتأخرت صحته لهذا الخطب الجلل وكان ذلك سنة ١٧٨١.
ولما فقد الكاتب حاميه عاد إلى ميله السابق من تأسيس الأندية فأسس له ناديين كانا أشبه بنادي المهووسين السوداويين. ودفن في مقبرة وستمنستر مدفن العظماء من الإنكليز وأقيم له تمثال.
وقد وصف تين العالم الفرنسي صاحب الترجمة فمما قاله فيه بعد أن ذكر قبح صورته وإهمال هندامه وسوء نظامه أنه كان شرهاً أكولاً يجلس إلى المائدة فيخضم ويقضم ولا يستمع لحديث مخاطبه بل يستغرق بما بين يديه من الصحاف والألوان حتى لقد كانت تنتفخ عروق جبهته وتتصبب عرقاً لكثرة إدخال الطعام بسرعة على معدته وبعد أن يستوفي طعامه على هذا النحو حتى يكاد يختنق يأخذ في تعاطي الشاي فيتناول لا أقل من اثني عشر قدحاً. قال الذي عربنا عنه هذا الفصل: وأنت ترى أنه من العجيب فيمن كانت له هذه الأخلاق والعادات كيف كان تمثال مجتمع بأسره مجتمع كان من اللطف على جانب هذا إذا لم يعلم أن صاحبنا كان ذا صفات نادرة فقد كان بين جنبيه على تلك الخشونة في الطباع قلب مليء فضلاً ولطفاً وحناناً على الضعاف والأولاد والفقراء والحيوانات وكان أصحابه وهم كثار يحبونه حباً مازج سويداء قلوبهم ولم تكن خشونته لتحول دون ملاطفة النساء بل كان معهن آية الظرف واللطف يتأدب معهن ويسليهن بأطيب ما في العالم من حديث شهي.
إلا وأن ما اختلط بأجزاء نفس هذا الرجل من قول الحق والتفاني فيه وحياته الشريفة التي قضاها وإعجابه باستقلال أخلاقه وحريتها كل هذا كان له مادة اعتبار لأدبه وإعجاب بمقدرته العقلية وكان لسناً مفوهاً ولم يعد في أرقى طبقات الكتاب ولا في أرقى المفكرين وكان إنشاؤه مستثقلاً فظاً حتى قال له أحدهم يوماً: إنك يا صاح لو نشأت حكاية أسماك