أما الدور العلوي ففيه معظم العاديات وأنفس ذخائرها وأثمن كنوزها: ومن ذلك مجموعة الحلي والمصوغات ومجموعة المومياوات البشرية وأخرى للمومياوات الحيوانية. ومجاميع للنسيج والخزف وأجناس المعبودات والتوابيت والأمتعة والأدوات والخرثي ـ في نظير ذلك مما كان المصريون القدماء يرتفقون به في منازلهم ويعتمدون عليه في قضاء مصالحهم ومزاولة مختلف مهنهم وأعمالهم. والمومياء كناية عن جثة الميت تعالج بالأدوية والعقاقير ثم تشد وتلف بقطع ولفائف من النسيج شداً ولفاً محكمين على شكل خاص فتحفظ بذلك من البلى وتصل سليمة إلى الدار الأخرى.
ويوجد في المتحف من تلك المومياوات زهاء عشرين مومياء ما بين ملوك وملكات وقواد وكهان وأطفال صغار. وفيها مومياء أعظم وأجل ملك قام في تاريخ مصر القديم وهو رعمسيس الثاني من ملوك العائلة التاسعة عشرة وإذا نظرت إلى تلك الجثث رأيت عجباً وباعثاً على التعاظ والدهشة إلى حد الذهول وانفعال المشاعر. ولم يبق من تلك التجاليد الأرق من جلد على فخ من عظم وقد تترآى لك مزع (قطع) اللحم محمرة أو كامدة اللون لكنها لاطئة على الأعضاء والأفخاذ حتى عادت كالجلد اليابس. ومن تلك الجثث ما هو سليم تام الجوارح ومنها ما تشوه بهتم أسنانه وصلم آذانه أو سمل عينيه أو هشم أنفه ومنها ما أمسى لونه أسود كالزنجي ومنها المحمر والرصاصي اللون وما استولت عليه الكمدة.
وقد قال أبو النجم الشاعر العربي أن جذب الليالي وكرور الأيام عليه حلتت شعر رأسه وميزت عنه قنزعاً عن قنزع فماذا يقول هؤلاء الفراعنة وقد كرت عليهم آلاف السنين فوق الأرض وتحتها ثم فوقها مرة ثانية وإذا رأينا شعورهم مدلاة خصلاً وقنازع ذات ألوان منكرة لا يدري هل هي طبيعية أو نشأت عن جذب دهر الدهارير أو تأثير الأدوية والعقاقير.
وإذا رأى المرء هذه المومياوات تذكر ما قاله ابن خلدون من أن الأقدمين ما كانوا أضخم منا جثة ولا أطول قامة إلى الحد الذي وصفه القصاص والممخرقون وإنما هم أمم أمثالنا بدليل تلك المومياوات التي عثروا عليها في المدافن والنواويس. كما أنتقليب الفكر في هذه الجثث يوحي إلى النفس بأن العذاب الذ أوعد به الكافرون في برازخهم لا يصيب إلا الروح. وإلا فيلزمنا القول بأن أموات المصريين الأقدمين كانوا على عقيدة صحيحة تنجيهم