للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

من الواحد لأهديته. وأما الإسهاب فإنه لما ظهر أبو مسلم الخراساني بدعوة بني العباس كتب إليه مروان كتاباً يستميله ويضمنه ما لو قرئ لأوقع الاختلاف بين أصحاب أبي مسلم وكان من كبر حجمه يحمل على جمل ثم قال لمروان: قد كتبت كتاباً متى قرأه بطل تدبيره فإن يك ذلك وإلا فالهلاك فلما ورد الكتاب على أبي مسلم لم يقرأه وأمر بنار فأحرقه وكتب على جزازة منه إلى مروان:

محا السيف أسطار البلاغة وانتحى ... عليك ليوث الغاب من كل جانب

ولما اشتد الطلب على مروان وتتابعت هزائمه المشهورة قال لعبد الحميد: القوم محتاجون إليك لأدبك وإن إعجابهم بك يدعوهم إلى حسن الظن بك فاستأمن إليهم وأظهر الغدر بي فلعلك تنفعني في حياتي أو بعد مماتي فقال عبد الحميد:

أُسر وفاءً ثم أظهر غدرة ... فمن لي بعذر يوسع الناس ظاهره

ثم قال يا أمير المؤمنين إن الذي أمرتني به أنفع الأمرين إليك وأقبحهما بي ولكني أصبر حتى يفتح الله عليك أو أقتل معك فلما قتل مروان استخفى عبد الحميد فغمز عليه بالجزيرة عند ابن المقفع وكان صديقه وفاجأهما الطلب وهما في بيت فقال الذين دخلوا: أيكما عبد الحميد فقال كل واحد منهما: أنا خوفاً على صاحبه إلى أن عُرف عبد الحميد فأخذ وسلمه السفاح إلى عبد الجبار صاحب شرطته فكان يحمي له طشتاً ويضعه على رأسه إلى أن مات سنة اثنتين وثلاثين ومائة وقيل أنه قتل مع مروان في مصر قال المسعودي أنه رأى عقباً بفسطاط مصر يعرفون ببني مهاجر وقد كان منهم عدة يكتبون لآل طولون. وكان أبو جعفر المنصور يقول: غلبنا بنو أمية بثلاثة أشياء: بالحجاج وعبد الحميد والمؤذن البعلبكي. وقيل لعبد الحميد: ما الذي مكنك من البلاغة قال: حفظ كلام الصلع يعني أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه. وقيل له أيما أحب إليك أخوك أم صديقك قال: إنما أحب أخي إذا كان صديقي. وقال أكرموا الكتاب فإن الله تعالى أجرى الرزاق على أيديهم. وقال: القلم شجرة ثمرتها الألفاظ والفكر بحر لؤلؤه الحكمة. ومن كلامه خير الكلام ما كان لفظه فحلاً ومعناه بكراً.

قال صاحب وفيات الأعيان وكان كثيراً ما ينشد:

إذا خرج الكتاب كانت دويهم ... قسياً وأقلام الدوي لها نبلا