للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

سلفكم وإن نبا الزمان برجل منكم فاعطفوا عليه وواسوه حتى يرجع إليه حاله ويثوب إليه أمره وإن أقعد أحداً منكم الكبر عن مكسبه ولقاء أخوانه فزوروه وعظموه وشاوروه واستظهروا بفضل تجربته وقديم معرفته وليكن الرجل منكم على من اصطنعه واستظهر به ليوم حاجته إليه أحوط منه على ولده وأخيه فإن عرضت في الشغل محمدة فلا يصرفها إلا إلى صاحبه وإن عرضت مذمة فليحملها هو من دونه وليحذر السقطة والزلة والملل عن تغير الحال فإن العيب إليكم معشر الكتاب أسرع منه إلى القراء وهو لكم أفسد منه لها. فقد علمتم أن الرجل منكم إذا صحبه من يبذل له من نفسه ما يجب له عليه من حقه فواجب عليه أن يعتقد له من وفائه وشكره واحتماله وخيره ونصيحته وكتمان سره وتدبير أمره ما هو جزاء لحقه ويصدق ذلك تبعاً له عند الحاجة إليه والاضطرار إلى ما لديه. فاستشعروا ذلك وفقكم الله من أنفسكم في حالة الرخاء والشدة والحرمان والمؤاساة والإحسان والسراء والضراء فنعمت التسمية هذه من وسم بها من أهل هذه الصناعة الشريفة. وغذا ولي الرجل منكم أو صير إليه أمر خلق الله وعياله أمر فليراقب الله عز وجل وليؤثر طاعته وليكن على الضعيف رفيقاً وللمظلوم منصفاً فإن الخلق عيال الله وأحبهم إليه أرفقه بعياله.

ثم ليكن بالعدل حاكماً وللأشراف مكرماً وللفيءموفراً وللبلاد عامراً وللرعية متألفاً وعن أذاهم متخلفاً وليكن في مجلسه متواضعاً حليماً وفي سجلات خراجه واستقضاء حقوقه رفيقاً وإذا صحب أحدكم رجلاً فليختبر خلائقه فإذا عرف حسنها وقبيحها أعانه على ما يوافقه التدبير في مرافقه في صناعته ومصاحبه في خدمته. فإن أعقل الرجلين عند ذوي اللباب من رمى بالعجب وراء ظهره ورأى أن صاحبه أعقل منه وأجمل في طريقته وعلى كل واحد من الفريقين أن يعرف فضل نعم الله جل ثناؤه من غير اغترار برأيه ولا تزكية لنفسه ولا يكاثر على أخيه أو نظيره وصاحبه وعشيره.

وحمد الله واجب على الجميع وذلك بالتواضع لعظمته والتذلل لعزته والتحدث بنعمته وأنا أقول في كتابي هذا ما سبق به المثل من تلزمه النصيحة يلزمه العمل. وهو جوهر هذا الكتاب وغرة كلامه بعد الذي فيه من ذكر الله عز وجل فلذلك جعلته آخره وتممته به تولانا الله وإياكم يا معشر الطلبة والكتبة بما يتولى به من سبق علمه بإسعاده وإرشاده فإن ذلك إليه وبيده والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.