ثم عاد المؤلف إلى الكلام على نمكتبة الإسكندرية ثانية وبرأ المسلمين من إحراقها فقال: تكلمنا على مكتبة الإسكندرية التي شاع بأنها أحرقت بأمر الخليفة عمر عند استيلائه على الإسكندرية سنة ٦٤٠ وقلنا أن هذه المكتبة لم يكن لها وجود في ذاك العهد البتة وأن أحد قسميها حرق قضاء وقدراً سنة ٤٧ قبل المسيح عند هجوم جند يوليوس قيصر وأن القسم الآخر حرق بعد هذا التاريخ بنحو أربعة قرون أي سنة ٣٦٠ على يد الأسقف أو البطريرك تيوفيل الذي كان يرمي إلى إبادة الوثنية في أبرشيته. ولم يعثر على كلمة واحدة قالها مؤرخوا ذاك الزمن من عهد حريقها إلى قدوم عمرو بن العاص عامل الإمام عمر ما يستدل منه ويحمل على الفرض بأنه أنشئت في الإسكندرية مكتبة ولا ينبغي أن يعجب من ذلك إذ من أسبابه أن الآداب والفلسفة الوثنية كانت في تلك الحقبة من الدهر قد حكم عليها بالتبديد في كل مكان حتى أن جوستيناينوس أمر بإغلاق مدارس آثينة.
ومعلوم أن ما ينسبونه لعمر من الجواب الذي أجاب به عمرو بن العاص وقد سأل عما يعمل بمكتبة الإسكندرية فقال له: انظر فإذا مكان ما فيها من الكتب يوافق ما في كتاب الله فلا فائدة منها وإذا كانت مخالفة له فليس لنا بها حاجة فأحرقها. وعلى الجملة فقد قال من أورد هذه القصة أن عمرو بن العاص وزع هذه المكتبة على حمامات الإسكندرية فاستعانت بها على إحماء حماماتها ستة أشهر مع أن الورق دع عنك الرق إذا صلح لإشعال النار فلا يصلح لأن تدون به طويلاً.
ثم استشهد بقول جان جاك روسو في خطابه في العلوم والفنون: ولو كان غريغوريوس الكبير مكان عمر والإنجيل محل القرآن لكانت مكتبة الإسكندرية بدأت أيضاً على أن البابا غريغوريوس المشار غليه (٥٤٠ ـ ٦٠٤) متهم بإحراق كتب القدماء ظلماً كما اتهم أمير المؤمنين عمر بن الخطاب وكلن التاريخ لا يظلم أحداً.
وقال في كلامه على ما يكتب عليه الكتاب أن الرق هو من اختراع فرغامس (برغامة) في آسيا الصغرى والمطنون أنه عرف قبل خمسة عشر قرناً أما الورق فالأرجح أن الصينيين هم الذين اخترعوه وأن العرب نقلوه إلى أوروبا كما قال الدكتور غستاف لبون في كتابه حضارة العرب: إن الكتاب المخطوط العربي الذي عثر عليه القصيري (الطرابلسي) في مكتبة الإسكرويال مكتوب على ورق من القطن ويرد تاريخه إلى سنة ١٠٠٩ هو أقدم مما