وقد أجمع المؤرخون من المسلمين وغير المسلمين على أن رجال مصر البالغين لم يزيدوا في ذلك العهد عن ستة ملايين. وليس يصح في الأحلام أن يقال أن النساء والأطفال والشيوخ الفانين كان عددهم أربعة وعشرين مليوناً أي أربعة أضعاف هذا العدد. وأنا أقول أن الأقباط أهل ذمة ووفاء فلا يصخ أن يقال أن دلسوا في الحساب وخانوا في الإحصاء فضلاً عن قيام العرب عليهم لأن مصلحة الفاتحين كانت تقضي بزيادة عدد الرؤوس لتتضاعف لهم الأموال وتبلغ الجزية ستين مليوناً من الدنانير بدلاً من اثني عشر ألف ألف دينار.
فنحن اليوم في عصر النور والتحقيق ويا حبذا لو أننا نربأ بأنفسنا عن تلك المبالغات الشرقية. وسعيد بن البطريق هذا هو قبطي مصري قال المكين أنه تولى بطريركية الأقباط فكان في أيامه شقاق كثير وشر متصل بينه وبين شعبه أدى بمحمد بن طغج صاحب مصر إلى إرسال قائد من قواده إلى تنيس فخيم على الكنائس وما بها وكان فيها شيء كثير من الذخائر حتى أن ذهبها وفضتها وزنت بالقبان لكثرتها وعبى القائد جميعها في الأقفاص وتوجه بها إلى مصر فمضى أسقف تنيس على جماعة الكتاب فتوسلوا لدى الأمير سنقر واستقر الرأي على إعادة كل هذه الذخائر في نظير خمسة آلاف دينار فباعوا من الأوقاف والعقارات التي للكنائس بقيمة المبلغ وحملوه إليه وبلغ الأخشيد أن الأسقف باع الأملاك بدون قيمتها فأرسل إلى تنيس وطالب المشترين بفرق الثمن. فلما علموا أن شقاقهم أوجب هذا اصطلحوا واجتمعوا في كنيسة واحدة. كان مولده في يوم الأحد لثلاث بقين من ذي الحجة سنة ٢٦٣ وفي أول سنة من خلافة القاهر العباسي صار بطريركاً على إسكندرية وسمي أتوشيوس وذلك في ٨ صفر سنة ٣٢١ وبقي في الكرسي والرئاسة سبع سنين ونصفاً ثم أصابه إسهال بمصر فحدث أنها على موته فصار إلى كرسيه بالإسكندرية وأقام به عدة أيام عليلاً وتنتح في آخر رجب سنة ٣٢٨.
والبطريرك تعريب للفظ رومي معناه أبو الأسرة أو رب البيت قال المسعودي في كتاب التنبيه والإشراف أنه بالرومية بطرياركس تفسيره رئيس الآباء ثم خفف وقد سماه المسعودي والإسلاميون بطريرخ ثم بطريرك ثم خفف في الاستعمال فصرنا نقول بطرك ونكتبها بطريرك كما نقول جنبية ونكتب جنباواي وكانوا يكتبون جنبويه وكما نقول أبشيه