وهو من أعيان القرن التاسع للهجرة في كتابه المسمى بتلخيص الآثار في عجائب الأقطار المحفوظ منه نسختان في مكتبة باريس الأهلية ولم يتم هذا المقياس في أيام المأمون فأتمه المتوكل العباسي وهو الباقي إلى اليوم. وقد كان القبط يتولون مقاييس النيل إلى أيام المتوكل في سنة ٢٤٧ فتولاه المسلمون بعد تمام مقياس الروضة وأولهم أبو الرداد المعلم الذي كان مؤذناً في جامع عمرو يعلم الصبيان القرآن واستمرت هذه الوظيفة في ذريته حتى سنة ٩٣٨ ويقول الموكلون به في أيامنا هذه أنهم من عقبة.
ثم عدا المأمون إلى بر الجيزة وذهب إلى الأهرام. قال شيخ الربوة الصوفي الدمشقي في كتاب نخبة الدهر في عجائب البر والبحر المطبوع في بطرسبورغ ما نصه: ولم تزل همم الملوك قاصرة عن تعرف ما في هذين الهرمين إلى أن ولي المأمون الخلافة وورد مصر فأمر بفتح واحد ففتح بعد عناء طويل واتفقن له لسعده المعين على تحصيل عرضه أن فتح في مكان يسلك منه إلى الغرض المطلوب فانتهى بهم الطريق إلى موضع مربع في وسطه حوض من رخام مغطى بالكف عما سواه. ويا ليت لو كان أمر بفتح هرمين أو ثلاثة من الأهرام الصغار المبثوثة فيرهما لكي يبين الأمر جلياً له وللناس.
وروى المقريزي عن صاحب تحفة الألباب أن المأمون أصعد بعضهم لتعرف ما بداخله وبعضهم لذرعه من الخارج.
فأفضى الذين صعدوا إلى القبة التي في أعلى الهرم من الداخل إلى قبة صغيرة فيها صورة آدمي من حجر أخضر كالدهنج فأخرجت على المأمون فإذا هي منطبقة فلما فتحت وجد فيها جسد آدمي عليه درع من الذهب مزين بأنواع الجواهر وعليه حلة من ذهب قد بليت ولم يبق منها سوى سلوكها من الذهب وكان على هذه الموميا طلاء بمقدار شبر من المر والصبر وعلى صدره نصل سيف لا قيمة له وعند رأسه حجر ياقوت أحمر كبيضة الدجاجة يضيء كلهب النار فأخذه المأمون وقال هذا خير من خراج الذهب. وقال كثير من المؤرخين أن هذا التمثال الأخضر لم يزل معلقاً عند دار الملك بمدينة مصر إلى سنة ٦١١ هجرية.
أما الذين صعدوا فوقه فقد انتهوا إلى قمته بعد ثلاث ساعات فوجدوا رأس الهرم قدر مبرك ثمانية جمال. وبناءً على أمر أمير المؤمنين أرسلوا إلى أسفله حبلاً فكان طوله ألف ذراع