وصف ترتيبات الرومانيين على سبيل الإيجاز: كان في رومية نحو القرن الخامس قبل المسيح طبقتان من الناسي وهما الباترسين والبلبين (أي الأشراف والعامة) فكان الباترسيون من نسل قدماء الأسرات المقيمة منذ القدم في البقعة الضيقة في ظاهر مدينة رومية وكان لهم وحدهم الحق أن يظهروا في مجمع الأمة وأن يحضروا الحفلات الدينية وأن توسد غليهم الوظائف. ويعتقدون أن أجدادهم أسسوا المملكة الرومانية أو كما يقال المدينة الرومانية وأوصوا بها لهم فكانوا هم من ثم الشعب الأصلي في رومية أما البلبين فهم من نسل الغرباء النازلين في المدينة ولاسيما من المغلوبين من سكان المدن المجاورة إذ أن رومية أخضعت بالتدريج جميع المدن اللاتينية وضمن سكانها إليها بالقوة فأصبحوا رعايا لرومية لكنهم ظلوا غرباء عنها يخضعون لحكومة رومية دون أن يشركوها في شيء من الأمر فلا يدينون بالدين الروماني ولا يسوغ لهم أن يحضروا الحفلات الدينية ولا أن يتزوجوا من الأسرات الشرئفة وكانوا يدعون بالبلب أي الجمهور ولا ينظر إليهم بأنهم جزء من الشعب الروماني. وقد وجدت في الصلوات القديمة هذه العبارة لخير الشعب وخير البلبين في رومية.
وكان يجتمع أبناء البلاد وعليهم أسلحتهم كل سنة خارج المدينة في ساحة المناورات (ساحة المريخ) ينتخبون زعيمين يطلقون عليهم لقب القضاة أو القناصل. وكان هؤلاء القناصل في خلال السنة التي يتوظفون بها يحكمون رومية ويقودون جيشها وبيدهم حياة جميع أفراد الأمة وموتها. يرافقهم إثنا عشر رجلاً من حملة الفؤوس إشارة لما لهم من السلطة فيحمل كل منهم فأساً وحزمة قضبان لجلد المجرمين أو ضرب رقابهم. فيجلس القناصل على عادة قدماء الملوك على دكة تشبه العرش وهي كرسي عال من العاج. ويستعاض في أوقات الحروب الخطرة عن القنصلين بحاكم واحد يلقون إليه بزمام السلطة فيصبح الحاكم المتحكم والآمر الناهي وحده ويكون في قبضته الأربعة والعشرون جلاداً ولكن سلطته لا تدوم إلا ستة أشهر.
فيجمع القناصل مجلس الشيوخ وهو مؤلف من رؤساء الأسرات وكبار أرباب الأملاك للمفاوضة في المسائل المهمة ويدعى هؤلاء بالآباء ويدعى نسلهم بالأشراف فكان مجلس الشيوخ يصدر رأيه ويطلقون عليه رأي الشيوخ ومن العادة أن يلتزم القناصل امتثاله