وإذا اغتبطنا بهذين الاكتشافين فذلك لأنهما يقفان بنا على حقيقة تاريخية في منشأ الليبيين وأصولهم كما عرف تاريخ مصر عندما انجلت الكتابة التي كانت كتبت بها مدارج البردي والكتابات المزبورة على مصانعها وعادياتها.
ذكرنا في كتابنا مملكة البحار المصرية على عهد توتيمس الثالث كيف كانت حال مصر من حيث جنديتها على عهد الدولة الثامنة عشرة من الارتقاء والعظمة ولاسيما في زمن توتيمس هذا. أما في زمن الدولة التاسعة عشرة والدولة العشرين فقد انحطت جندية مصر. وتبعث الكتابات المصرية القديمة التي كتبت على ذاك العهد على التخمين بأنه لم يكن للفراعنة إذ ذاك أساطيل في استطاعتها أن تؤيد سلطان مصر على البحر المتوسط وتحاول أمم الأرخبيل (بحر ' يجي) في الشمال أن تهاجم مصر من طريق الدلتا. والهيتيون من الشرق والليبيون من الغرب والعنصر القوشي نسيب الليبيين من الجنوب وكلهم يحاولون الإغارة على وادي النيل. والظاهر أن هذه الأساطيل وهذه الجيوش وإن كانت تعمل كل منها منفصلة عن الأخرى لكنها كانت تعمل بإشارة خاتي عاصمة مملكة هيت وهي العدوة الزرقاء لملوك مصر منذ سقوط ملوك الرعاة.
وقبل درس حال هؤلاء المتحالفين أو الأمراء التابعين لمملكة هيت جماعة جماعة يجب أن نبين عناصرهم وأصولهم أولاً. فإذا أخذنا شعوب الأرخبيل وهذا الجزء من قارة آسيا فإنك لا تراهم إلا مزيجاً من الشعوب البحارة الذين كان يطلق عليهم في القديم البلاسج فكان أصل بعضهم من كريت وبعضهم من الشوطئ الغربية في آسيا الصغرى فهذا الشعبان بحسب رأي الباحث أربوا دي جونيفيل من أصل واحد بيد أن التاريخ اليوناني إذا طبقناه على الاكتشافات الأثرية الحديثة يداخلنا الشك في صحته وكذلك المكتوبات المصرية المزبورة على المصانع والمعاهد فإنها تميز الشعب الأول باسم بلست والثاني باسم تورسها ويظهر أن الأول كان من الفيلستينيين الذين هم معدودون من سلسلة النسب بحسب رواية سفر التكوين من أخلاف مصرائيم ومن فرع كسلوحيم. ويظهر لنا أنهم ليسو سوى ليبيين مصريين الذين قال المؤرخ بلين والجغرافي بومبينوس ميلا أنهم نازلون على التخوم الغربية من مصر وسماهم المؤرخ هيرودوتس بالأدرماشيديين. وبهذا عرفت أن أصل الكريتيين والفيلستينيين ليبي مصري على ما ثبت من الحفريات الحديثة التي حفرها