الأراضي يؤخذون من حقولهم ليخدموا في الجندية بعض حملات بل كانوا أناساً من الفقراء جعلوا الحرب صناعة لهم فيدخلون الجندية ليخدموا فيها ست عشرة سنة أو عشرين سنة وربما جددوا هذه المدة.
وعلى هذا كان للإمبراطورية في رومية ثلاثون فرقة من الوطنيين أي ١٨٠ ألفاً ولهم بموجب العادة الرومانية مساعدون فيبلغ مجموعهم نحو ٤٠٠ ألف رجل على التقريب وكان هذا الجيش قليلاً بالنسبة لعظم تلك المملكة.
ولكل ولاية على الحدود جيش صغير بعيد في معسكر دائم يشبه قلعة يجيء الباعة ينزلون بقربها فلا يعتم المعسكر أن يصبح مدينة وهكذا يعسكر الجند بإزاء العدو فيحفظون شجاعتهم ودربتهم. مضت ثلاثة قرون والجند الروماني يدخل في كل حرب زبون مع البرابرة المتوحشين ولا سيما على ضفاف الرين والطونة في بلاد ندية قاحلة مغشاة بالغابات والمستنقعات. وربما بذل الجند الروماني في هذه الحروب التي لا نتيجة لها من الشجاعة والشهامة أكثر مما بذل قدماء اليونان في فتح العالم.
الآداب: لم يكن الرومان بالطبع أمة فنون وقد أصبحوا كذلك فيما بعد مقتفين فيها أثر اليونان. فمن يونان أخذوا نموذجاً من فاجعاتهم وقصصهم الهزلية وملاحمهم وأناشيدهم وأشعارهم الفلسفية والعامية والتاريخية. واقتصر بعضهم على ترجمة الأصل اليوناني (كما فعل هوراس في أناشيده) وكلهم اقتبسوا من اليونان أفكارهم ومناحيهم ومزجوها عندما احتذوا مثالها بما عرف فيهم من صفات الصبر والشهامة حتى صارت بعض آثارهم غريبة الغرائب في أسلوبها.
واتفق الرومان على أن العهد الذي أزهرت فيه الآداب اللاتينية حقيقة كانت الخمسين سنة التي قضاها أغسطس في الحكومة فهو الوقت الذي نبغ فيه فرجيل وهوراس وأوفيد وتيبول وبروري وتيت ليف ولكن عصر أغسطس (كما يسمونه) قد سبقه ولحقه قرنان ربما عادلاه في إخراج النوابغ ففي الجيل الأول (القرن الأول قبل المسيح) ظهر الشاعر الغريب المدهش لوكريس وقيصر رانير ناثر وشيشرون أخطب خطيب وفي الجيل اللاحق كتب سينيك ونوكين وتاسيت وبلين وجوفنال ما كتبوا.
وبعض هؤلاء المؤلفين العظام فقط من أسرة رمانية ومعظمهم إيطاليون وكثيرون من