تخرب بيوتهم بخراجها أصبح عدد الجباة أبداً في قلة. وكان مجلس الشيوخ يتألف على عهد الإمبراطورية الغربية من مئة عضو. وفي القرن الرابع نشبت فتن في إحدى الولايات فأمر أحد الأباطرة أن يأتوه برؤوس ثلاثة من الجباة من كل مدينة فكتب إليه الوالي (ليسع حلمكم أن يقرر ما الذي يجب أن نعمله في المدينة التي ليس فيها ثلاثة من الجباة).
المستعمرون ـ وقع في الإمبراطورية الرومانية مثلما وقع في عامة المجتمعات القديمة مثل إسبارطة ويونان وايطاليا وهو أن يضمحل الأحرار ويخلفهم العبيد ويبقى في القرى ما يكفيها من الحراثين. لا جرم أن المدينة الرومانية لم تخرب بل كانت أخذة بالنماء. فقد كان عدد الوطنيين في القرن الأول زهاء مليون نسمة وفي القرن الثالث صدر أمر الإمبراطور بمنح جميع سكان الإمبراطورية حق الوطنية فصار الوطنين الرومانيين يعدون بالملايين ويبدءون باضمحلال سائر سكان العالم بيد أن الحكم الروماني كان سبباً في اضمحلال شعوب المملكة كما اضمحل به من قبل أهل ايطاليا وكان يقتضي له كثير من الجنود وكثير من العبيد.
وبهذا الحكم يفلح الأغنياء ويصعب على صغار أرباب الأملاك أن يقفوا أمام الكبراء فيستخدمون في الجندية أو يخربون بيوتهم بأيديهم. ويقتني صاحب الأملاك الواسعة أراضيهم حتى أتى زمن لم يبقى في بعض البلاد غير أملاك واسعة يحرثها العبيد. وهؤلاء السكان من العبيد لا يتجددون فإذا عرض عارض من العوارض المألوفة إذ ذاك من مثل وباء وحرب وغارة برابرة وهلك جمهور من الحارثين في إحدى الأملاك تبقى الأرض بوراً.
فخلت القرى على التدريج ولا سيما ما كان على التخوم من الناس ولم بيقى سكان إلا في المدن بل صار في عدة أنحاء من المملكة قفار حقيقية خلت من السكان والعمران.
فانشأ الأباطرة يسكنون فيها عصابات من البربر ممن ضربوهم وأسروهم ليحيوا بهم موات تلك القرى. إلا أن هؤلاء البرابرة لا يملكون الأراضي بل يستعمرونها فقط مثل الهيلوتبين في إسبارطة ويقضى عليهم أن يبقوا في الأرض التي أنزلوا فيها لا يفارقونها ولا أولادهم بحال يؤدون إلى صاحب الأرض مالاً مقرر فمن ثم كانوا مستأجرين إلى الأبد بالقوة. وليس هذا النظام جديد بل كان في ايطاليا على عهد الإمبراطورية الشرقية أناس من