للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الأعصاب التي يكون من تحركها تحريك الترقوة ثم يزيد الضحك فنستعين بتحريك أعصاب أخرى فتنثني سوفنا وأفخاذنا وننكث بأرجلنا الأرض.

ويتخلل التنفس شيء من الوقوف ولكنه لايزيل حالة الإغماء التي تحدث في الضاحك ويكفيك أن تنظر إلى عروق جبهته كيف تنتفخ وإلى شفتيه كيف تكلح وإلى وجهه كيف يحمر لتدرك الانقباض الشديد الذي يصيب دماغه وعندما تنقبض الأوداج الخارجة بكثرة الضحك وينقلب الدم من الودج الأصلي إلى الودج الداخلي ويتراكم على الدماغ فيطفح هذا بالدم الذي لايجري بما يحول دونه ودون التنفس وينفجر بما يدفق الدم الشرياني الواصل إليه بواسطة عصب البصر الواقع بين الودجين يتجه الدم نحو الدماغ من جهة العيون ويحقن الملتحمات والغدد الدمعية وعندها تفيض الدموع بتواتر الدم على تلك الصورة بمعنى أن الغدد الدمعية تحيل الدم الذي ينهال عليها إلى دموع لأن تركيب الدموع كتركيب الجزء السائل من الدمع. وفي تلك الحال يؤثر جريان الدمع في الدماغ المحتقن على صورة فصد أبيض يفصل دماغ الضاحك الذي يوشك أن يغمى عليه بما يتواتر إليه من الدم.

والدموع نافعة في حالة الحزن ولكن عملها في تلك الحالة مخالف لعملها في حالة السرور فإن كان الدماغ يحتقن في حالة الضحك فإنه يقل دمه في حالة الحزن فجريان الدموع على صورة فصد لايزيد الدم إلا فقراً في المراكز العصبية ولكن هذا الفقر في الدم ينتج ضرباً من ضروب السبات في الدماغ ونوعاً من الكسل الطبيعي وقلة المبالاة والإحساس في الدماغ فيقل بذلك التأثر من المصاب أو الألم. وقلة الإحساس هذه في تخفيف ما أصاب المرء أشبه بمخدر صناعي كالكلوروفورم والإثير والكحوا فيضيع الحزن في العبرات كما يضيع في الكحول. ومن العجيب أن التقطيب الذي نقطبه عندما نبكي يحدث من انقباض الأعصاب الذي تفعل فعلها في الغدد الدمعية والشرايين البصرية وجميع أعصاب الجفون والأهداب وغيرها إذا انقبضت تؤثر في الغدد الدمعية وهكذا كانت الدموع فرجاً للمحزون كما هي فرج للطفل وسلامة دماغه فهو لها نعم المخدر وأحسن مداوٍ من الاضطرابات كما يرى في النساء أيضاً وهن لا يقللن عن الأطفال بتأثراتهن.