للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أحوالاً أقل منها تزيدها ضعفاً إلى ضعفها مثل اضطرابات المعدة وسوء الهضم والشقيقة فإن جميع هذه العوارض على الجسم تغيرها تغييراً محسوساً.

ولتركيب الدماغ وحالته تأثير ظاهر في الحافظة فقد ذكر بلين الطبيعي الروماني أن رجلاً نسي حتى رسائله بعد أن أصيب بشجة في رأسه. وزعم البابا كليمان السادس أن حافظته قويت قوة عجيبة عقب أن أصيب برضة شديدة في دماغه. وكيفما كانت الحال فللتمرين يد طولي في تخصيص الحافظة بشيء معين فالممثلون تقوى فيهم الملكة الحافظة الشفاهية وهي من اللوازم لهم في صناعتهم ورجال الشرطة تقوى فيهم الحافظة في تذكر صور الأشخاص وليس البشر كلهم سواء في الحفظ والاستظهار فمنهم من يحفظون الأشكال الهندسية وهم اللذين خلقوا رياضيين بالفطرة ومنهم من يرزقون حافظة قوية في الأنغام كالموسيقيين. وغيرهم في ذلك من الناس من يذكرون الكلمات بسرعة غريبة ومن الأطفال من تقرأ لهم بصوت عال عدة صفحات فيستظهرونها في الحال ويتلونها على مسامعك لأول مرة. وتذكر الألفاظ خاصة يمتاز بها الأولاد في العادة أكثر من الكبار في السن ممن لا تكون قويت فيهم حاسة التفكر فيحفظون الكلمات التي يسمعونها على أيسر وجد بدون أن يفهمونها والسبب في سهولة الحفظ عليهم فقدان قوة التفكر فيهم وعندما يبدأ التفكر في معظم الناس تضعف الحافظة فيهم وقد تزول من بعضهم. والحافظة الشفاهية إذا كانت هي وحدها في الإنسان لا تكون له سبيلاً إلى التفكر ومن فقد الأولى فلا يأسف لحاله لأنه يستطيع بقوة التفكر أن يأتي بالجيد من الأفكار ولكن الحافظة وحدها قد تكون من أكبر العوائق عن جودة التصور.

وبعد فإن للحافظة شأناً عرقية الفكر الإنساني وبدونها يكون كل شيء عقيماً لا ثمرة لأنها واسطة لبقاء الأفكار التي صدرت وأحسن ذريعة للحصول على أفكار جديدة ولم يعرف القانون الذي تسير عليه كما أن جوهرها لم يدرك الباحثون حقيقته وغاية ما عرف من أمرها أنها بالانتباه والتمرن وأن الكسل ابن الترف والكسل يجرح الحفظة أن لم نقل يقتلها.

ذكر التاريخ كثيرين من رباب الحافظة النادرة فمنهم في القديم ميتر يدانس الكبير ملك شمالي غربي آسيا الصغرى (١٢٣ـ ٦٣ ق. م) فقد كان يحكم على اثنين وعشرين أمة مختلفة ويخطب أمام كل منها بلغتها ويدعو كل واحد من جنده باسمه. وذكروا مثل ذلك عن