للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يا أبا عمران أواجب أن يمنعه منى وما يحفظ منه بيتاً وأنا أحفظه فأكذبته الجماعة فقال اسمعوني. وأمسكوه فابتدأ من أوله حتى قارب نصفه فأقسمنا عليه أن يكف وشهدنا له بالحفظ وكان آية في سرعة البديهة مشهوراً بذلك قال أبو الحسن ابن سعيد: عهدي به في اشبيلية يملي على أحد الطلبة شعراً وعلى ثان موشحة وعلى ثالث زجلاً كل ذلك ارتجالاً.

ل ابن خلكان: كان أبو الفرج الأصبهاني صاحب كتاب الأغاني يحفظ من الشعر والأغاني والأخبار والآثار والأحاديث المسندة والنسب ما لم أرَ قط من يحفظ مثله ويحفظ دون ذلك من علوم آخر منها اللغة والنحو والخرافات والسير والمغازي ومن آلة المنادمة شيئاً كثيراً مثل علم الجوارح والبيطرة ونتف من الطب والنجوم والأشربة وغير ذلك. وذكر صاحب الصبح المنبي أن العلم الفرد في قوة الحافظة عبد الله بن عباس رضي الله عنهما. ولقد شرط الملك المعظم عيسى لكل من يحفظ المفصل للزمخشري مائة دينار وخلعة فحفظه لهذا السبب جماعة.

قال أبو عمر الطلمنكي دخلت مرسية فتشبث بي أهلها يسمعون عليَّ الغريب المصنف فقلت انظروا من يقرأ لكم وأمسكت أنا كتابي فأتوني برجل أعمى يعرف بابن سيده (وهو صاحب المخصص في اللغة الذي طبع مؤخراً) فقرأه عليَّ من أوله إلى آخره فعجبت من حفظه. ولقد لازمن ثعلب ابن الإعرابي فما رآه نظر في كتاب. وأخبار الأصمعي في الحفظ والرواية أشهر من أن تذكر وكذلك خلف الأحمر والكلبي وعبيد ودعبل. وكان أبو تمام لا يلحق في محفوظاته وقيل أن كان يحفظ أربعة عشر ألف أرجوزة للعرب غير القصائد والمقاطيع. قال أبو الحسن محمد بن علي العنوي كان المتنبي يلازم الوراقين فأخبرني وزان كان يجلس إليه: قال ما رأيت أحفظ من هذا الفتى بن عبدان السقا (المتنبي) قلت له: كيف قال اليوم كان عندي وقد أحضر رجل كتاباً من كتب الأصمعي يكون نحواً من ثلاثين ورقة لبيعه فأخذه فنظر فيه طويلاً فقال له الرجل أريد بيعه وقد قطعتني عن ذلك فإن كنت تريد حفظه فهذا يكون إن شاء الله تعال بعد شهر قال فقال له ابن عبدان: فإن كنت قد حفظته في هذه المدة فمالي عليك قال: أهب لك الكتاب قال: فأخذته من يده فأقبل يهذه عليَّ إلى آخره ثم استلمه فجعله في كمه وقام فتعلق به صاحبه طالباً بماله فقال ما إلى ذلك سبيل وقد وهبته لي قال: فمنعناه منه وقلنا: أنت شرطت على نفسك هذا للغلام فتركه