للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

للاستكثار من القراء تقيم الجرائد مسابقات سخيفة فهي تقترح عدَّ حبات الدخن الموجودة في زجاجة وأن تحزر الكلمات المحذوفة من رفرف (قصة في أسفل الجريدة) تافه وأن يعثر على كنز مخبوء في إحدى المتنزهات العامة وذلك بأن تعلن بأنها تدفع جوائز تقدرها بمئات الألوف من الفرنكات. هي تعمل ذلك ولا حرج عليها لأنه لا يكلفها غير الوعد فإذا ما انحل الإشكال المطلوب حله فلا يكون إلا على يد شريك لها تقاسمه الربح أو لا تعطيه منه شيئاً.

لأجل أن تحبب الجرائد قراءتها تغرس فيهم الميل إلى قلة الرصانة وسماع اللغو والعبث فتقص عليك كيف أن إحدى الممثلات تلبس قفازيها (كفوفها) وتركب في المركبة وتذكر كل تفصيل عن غانية اشتهرت وتورد لك أسماء أشأم الأشرار مورية أنهم من الأبطال تستجلب عليهم الرحمة وتفاوضهم بعناية. لإكثار هذه الجرائد قراءها تستخدم رقة القلب الكاذبة في العامة بأن تأتيهم بحوادث غريبة منوعة ومدهشة تقيم وتقعد. فإن مخبري الجرائد يجتمعون كل مساءٍ في القهوة فإذا لم تحدث في المدينة حوادث خصام ولا توقيف أحد بالقوة ولا انتحار ولا فجائع عشق ولا غيرها مما يقضي عليهم أن ينشروه في جرائدهم يخترعون شيئاً منها بالاتفاق بينهم اتفاقاً لا يخرج عنه أحد.

هذه الجرائد تدعو الناس إلى قراءتها بنشر أنباء الاكتشافات الكاذبة والمبالغة في رفع أقدار أدعياء العلم إلى السماكين وتتملق للمتأدبين المنحطين والموسيقيين الساقطين. نعم هي تساعد على نمو الفضائح مدعية أنها مولعة بالحق ولكنها تتحرز من إفشائها إذا كان فيه مس إحساس بعض الشركات الكبرى. وحدث ما شئت أن تحدث عن تلطفها في ذكر نقابات باعة الخمر فهي تتوقى من ذكر اسم سكير وتستعيض عنه عندما يأتي في باب الأخبار المنوعة بلفظ المغضوب أو فاقد الصواب.

ومتى أفلحت تلك الجرائد بكثرة سواد قرائها لا تستنكف من بيع أعمدتها للإعلان عن أرباب الموبقات وبائعي السميات واللصوص. لا تراعي فيما نشر إلا ولا ذمة ما دام المعلنون يدفعون لها أجور إعلاناتهم. وليس أحسن من الجرائد للرقيق إلا بيض يطلب على لسانها أحدهم على صفة أنه رجل في بلد بعيد يريد فتاة لتكون في بيته وصيفة أو معلمة أو مؤنسة فإذا حُملت إليه لا تجد المسكينة غير بيوت الريبة تنتظرها وكذلك الحال في