وذلك أن جدي لأمي الشيخ ابراهيم سويدان حضر إليه برشيد والي مصر عباس الأول وقد انتهى إليه عمله وصلاحه وزهده وانعطافه على المساكين فأعطاه مالاً كثيراً فلم يرضَ فألح عليه وقال له أهل البطانة خذ هذا المال فإنه حلال وهو يساعدك على نفع المساكين فامتثل بشرط أن يضع الأمير المال في كمه فرضي الوالي وأخذ جدي المال فطاف به في الأسواق يفرقه بواسطة غلامه على هذا وذاك حتى فرغ المال كله ثم ذهب إلى النيل فغسل هذا الكم الذي لامسته دراهم الوالي.
وأما الثانية فهي معلومة لكم جميعاً وهي واقعة بينكم هنا وبيننا في مصر. ذلك أستاذ الشام على الإطلاق العلامة الشيخ طاهر الجزائري فهو يضم بين طمريه العلم الجم والخلق الأشم. أنا لا أدري كيف يعيش هذا الرجل في بلد مثل مصر قد اشتد فيه الغلاء حتى شكا منه الأغنياء وقد بذلت ما في وسعي كما يعلم الأستاذ كرد علي صاحب المقتبس وأمام المقتبسين ورب هذا البيت الكريم في أن يناله شيءٌ من الأوقاف الخيرية على أن يكتب عريضة لذوي الحل والعقد وقد تلطفت معه كثيراً بواسطة رب هذه الدار فلم يرض إلى الآن. فماذا أقول عن هذه البقية الصالحة. لا أقول سوى كلمة واحدة تخرج من صميم الفؤاد بحب وإخلاص فليعش الشيخ طاهر الجزائري هذه الحرية وهذا الشمم هما جرثومة من ذلك الماضي المجيد وقد صادفت في عصر الدستور المنير أرضاً خصيبة فلعلها تتأصل في نفوسنا ونفوس الناشئين ليكون لقومنا ما كان للأسلاف من العز الذي ضرب رواقه في المشرقين وفي المغربين.
هذه الحرية هي التي جعلت الأخلاف من بني أمية يحتملون الكلم الشديد والقول المر من العلويين ومن سائر الناس. لو فرضنا أن احتمالهم للعلويين كان من قبيل المداراة ومن باب المحافظة على الملك فماذا نقول عما سجله التاريخ من معاملتهم للعامة. أفليس أبو صخر الشاعر الخزاعي المشهور بكثير عزه هو الذي كان يجاهر بالتشيع لعلي وبنيه وقد كانوا يسبونه على المنابر بأمر الخلفاء الأمويين. أفليس هو الذي قام في يوم من الأيام فصعد المنبر في بيت الله الحرام وأخذ بأستار الكعبة وقال: