وأما حسن وجوهها وألوانها فقد تعرف فضلهم في ذلك على غيرهم من الهند المتحرقة والصين المحنتمة والترك المشوهة والروم المقشوة وأما أحسابها وأنسابها فليست أمة من الأمم إلا وقد جهلت آباءها وأصولها وكثيراً من أولها وآخرها حتى أن أحدهم يسأل عما وراء أبيه دنياً فلا ينسبه ولا يعرفه وليس أحد من العرب إلا يسمي آباءه أباً أباً حفظوا بذلك أحسابهم وضبطوا أنسابهم فلا يدخل رجل في غير قومه ولا ينتسب إلى غير نسبه ولا يدعي إلى غير أبيه وأما سخاؤها فإن أدناهم رجلاً الذي يكون عنده البكرة أو الناب عليها بلاغة في حمولته وشبعه وريه فيطرقه الطارق الذي يكتفي بالفلذة ويجتزي بالشربة فيعقرها له ويرضى أن يخرج له من دنياه كلها فيما يكسبه حسن الأحدوثة وطيب الثناء.
وأما حكمة ألسنتها فإن الله أعطاهم في أشعارهم ورونق كلامهم وحسنه ووزنه وقوافيه مع معرفتهم بالإشارة وضرب الأمثال وإبلاغهم في الصفات ما ليس لشيءٍ من ألسنة الأجناس ثم خليهم أفضل الخيول ونساؤهم أعف النساء ولباسهم أفضل اللباس ومعادنهم الذهب والفضة والحجارة جبالهم الجزع ومطاياهم التي لا يبعد عن مثلها سفر ولا يقطع بمثلها بلد قفر.
وأما دينها وشريعتها فإنهم متمسكون بها حتى يبلغ أحدهم من تمسكه بدينه أن لهم أشهراً حرماً وبلداً حراماً وبيتاً محجوباً ينسكون فيه مناسكهم ويذبحون ذبائحهم فيلقى الرجل قاتل أبيه أو أخيه وهو قادر على أخذ ثأره وإدراك دمه فيحجزه كرمه ويمنعه دينه عن تناوله بالأذى وأما وفاؤها فإن أحدهم يلحظ اللحظة ويومي الإيماء فهي اللب وعقد لا يحلها إلا خروج نفسه وإن أحدهم ليرفع عدداً من الأرض فيكون رهناً بدينه فلا يغلق رهنه ولا تخفر ذمته وإن أحدهم ليبلغه أن رجلاً استجار به وعسى أن يكون نائياً عن داره فيصاب فلا يرضى حتى تفنى تلك القبيلة التي أصابته أو تفنى قبيلته لما أخفر من جواره وأنها ليلجأ إليهم المجرم المحروب من غير معرفة ولا قرابة لتكون أنفسهم دون نفسه وأموالهم دون ماله وأما قولك أيها الملك أنهم يئدون أولادهم من الحاجة فإنما يفعله من يفعله منهم بالإناث أنفة من العار وغيرة من الأزواج وأما تحاربهم وأكل بعضهم بعضاً وتركهم الانقياد لرجل يسوسهم ويجمعهم فإنما يفعل ذلك من يفعله من الأمم إذا آنست من نفسها ضعفاً