وأما حصة المعارف فكان القسم الأعظم منها يصرف لأولئك الجواسيس الذين تصدروا على كراسي العالم ليمنعوا الجرائد والكتب المفيدة ويلقبوها بذلك التعبير الذي ترتعش لذكره الفرائص وهو (مضرة) كأنهم كانوا نافعين! ويصرفون هذه المبالغ على السفاهة والبذخ. ويحتجون بجواز هذه الضمائم بما يوجد في الضرائب من الضمائم في بلاد الغرب وقد فاتهم أن تحميل أعظم الضرائب على عاتق الفلاح ظلم وضرره في عمران البلاد واضح. أشرت إلى أن الشرط في وضع الضرائب حفظ النسبة بين إيراد الأشخاص الحقيقي فإن حسبنا ريع الفلاح السالم ألغينا ريعه أقل من ثلث ما تأخذه الحكومة باسم العشر وزد عليه أن بذاره وبقره ولباسه ومؤنته قد استدانها بفائض يتجاوز الخمسة والعشرين إذا ما قلت الخمسين في المائة فأي أرض تضمن لفلاحنا التعس هذا العشر الفاحش وهذا الفائض المدهش؟
تلزيم العشر
يعلم العثمانيون كافة أن العشر يؤخذ بطريق البدل إلا في بعض الأنحاء كحوران تدفعه للحكومة عيناً وبدل الأعشار يباع مزايدة وللمزايدة وإلا حالة أوقات محدودة تحددها مجالس الإدارة وعندما تطرح بدلات الأعشار للمزايدة تستدعي الحكومة شيوخ القرى وتكلفهم بوضع بدل عشر قريتهم بزيادة عن بدلها السابق فإن أجابوا تخلصوا ورجعوا إلى قريتهم وإن أبوا أو اعتذروا لقلة المحصول عندهم ضربوا وأهينوا وأدخلوا السجن وهذا العمل مغفور في نظر أولي الأمر لأنه به تزيد واردات العشر.
ولا ينكر أن بعض الأهالي أيضاً يسعون في تخفيف بدل الأعشار فيهضمون حقوق الخزينة فإن كان في قريتهم ربح تهاجم عليها الملتزمون وإن كان فيها خسارة أحيلت على أهلها بالكفالة المتسلسلة بالرغم من أنوفهم في كل قضاء وفي كل مركز متصرفية أو مركز ولاية. في جميع أنحاء المملكة العثمانية أعيان من أرباب النفوذ يلتزمون ضيعهم ويختصون بقرى عدوها من مستعمراتهم وعندما يضع هؤلاء أختامهم في قائمة المزايدة لا يستطيع أحد من الملتزمين أن يزيد عليهم فإن زاد حل به البلاء لأن ذلك الوجيه يستطيع بسيطرته أن يسجنه أو يتهمه بجناية فيتوب عن الالتزام هذا إذا صادف من يرحمه