والإقطاعات والجرايات وأحله من دولته وندمائه بمكان فأورث بالأندلس من صناعة الغناء ما تناقلوه إلى أزمان الطوائف. وطما منها بإشبيلية بجر زاخر وتناقل منها بعد ذهاب غضارتها إلى بلاد الغدوة بإفريقية والمغرب وانقسم على أمصارها وبها الآن منها صبابة على تراجع عمرانها وتناقص دولها. وهذه الصناعة آخر ما يحصل في العمران من الصنائع لأنها كمالية في غير وظيفة من الوظائف إلا وظيفة الفراغ والفرح وهو أيضاً أول ما ينقطع من العمران عند اختلاله وتراجعه.
وقال ابن خلدون أيضاً: ولقد عذلت يوماً بعض الأمراء من أبناء الملوك في كلفه بتعلم الغناء وولوعه بالأوتار وقلت له ليس هذا من شأنك ولا يليق بمنصبك فقال لي أفلا ترى إلى إبراهيم بن المهدي كيف كان إمام هذه الصناعة ورئيس المغنين في زمانه فقلت له يا سبحان الله وهلا تأسيت بأبيه وأخيه أو ما رأيت كيف قعد ذلك بإبراهيم عن مناصبهم فصم عن عذلي وأعرض.
هذه زبدة تاريخ الغناء أو الموسيقى في العرب وطرف مما كان من عناية ملوك الإسلام بها أيام الحضارة ولقد انتشرت بعد حتى صار يتعلمها بعض أهل العلم من غير نكير وشرفت بإقبال الكبراء عليها بحيث لم تكن في شرفها دون غيرها من العلوم. فقد ذكر بن أبي أصيبعة أن الفارابي المعلم الثاني وصل في علم صناعة الموسيقى وعملها إلى غاياتها وأتقنها إتقاناً لا مزيد عليه ويذكر أنه صنع آلة غريبة يسمع منها ألحاناً بديعة يحرك بها الانفعالات وله كتاب الموسيقى الكبير ألفه للوزير أبي جعفر محمد بن القاسم الكرخي وكتاب في إحصاء الإيقاع وكلام له في النقلة مضافاً إلى الإيقاع كلام في الموسيقى.
ويحكى أن القانون الذي يضرب عليه للطرب هو من وضعه وأنه كان أول من ركب هذه الآلة تركيبها المعهود اليوم.
وألف يعقوب بن إسحق الكندي فيلسوف العرب في الموسيقى فكتب رسالة في ترتيب النغم الدالة على طبائع الأشخاص العالية وتشابه التأليف ورسالة في المدخل إلى صناعة الموسيقى ورسالة في الإيقاع ورسالة في الأخبار عن صناعة الموسيقى ومختصر الموسيقى في تأليف النغم وصنعة العود ألفه لأحمد بن المعتصم ورسالة في أجزاء جبرية الموسيقى. وألف أحمد بن الطيب السرخسي العالم الحكيم كتاب الموسيقى الكبير ولم يعمل