والضريبة الرسمية عظيم جداً وكنا ذكرنا في المقدمة أنه يجب على الحكومة أن تستوفي رسم التعداد عندما يكبر نسلها ويبيعه صاحبها ليدفع الرسم من ريع ماله غير أن القانون الجاري حتى الآن يجبر أصحاب المواشي على دفع الضريبة في آذار أو نيسان أو قبل آذار حينما تكون الخراف والحملان صغيرة لا تباع فيضطر صاحب المواشي إلى الاستدانة بأرباح فاحشة فيكون تحمل الضريبة مضاعفة ضريبة التعداد وفائضها فيصبح رسم التعداد عشرين ضعفاً من الصدقة الشرعية وهذه الضريبة الفادحة دفعت الأهالي إلى الاحتيال وتهريب الغنم والماعز لأنهم استكثروا الرسوم واعتقدوا أنها ظلم صراح لا صدقة شرعية فأثار هذا التهريب طمع القائممقامين والمتصرفين ومأموري المال فصاروا يبيعون مأموريات التعداد بدراهم معدودات ولا يخفى على أولي البصيرة أن مأمور التعداد الذي لا تزيد أجرته على أربعمائة قرش لا يدفع خمسين ليرة من أجل أن ينال تلك الوظيفة إلا إذا كان يعتقد تحصيل مائة ليرة والمائة لا تؤخذ إلا من أفراد متعددين فيضيع على الخزينة أكثر من مائتي ليرة وعلى ذلك فقس المملكة بأجمعها تجد الحكومة قد أضاعت مبالغ تعادل ما أخذته فوق الصدقة الشرعية ولم تربح إلا شيئاً قليلاً غير أنها حملت الأمة أثقال الضرائب والظلم هذا إذا صرفنا النظر عما يذبحه الموظفون من الخراف فتخسر الأمة مبالغ غير مشروعة بسبب انحراف الحكومة عن أحكام الشريعة انحرافاً كلياً.
ولما كانت القاعدة المشئومة تزييد واردات الخزينة بأي صورة كانت من أجل أن تصرف على بذخ الظالمين في الأستانة وكان بعض القاممقامين والمتصرفين يخشون النقص عن البدل السابق أنشأوا يضيقون على مستخدمي التعداد ليأتوا بزيادة الواردات يحملون الفقراء العاجزين ما ينقصونه عن الأغنياء فتبلغ ضريبة أغنام الفقراء أضعاف أضعاف ضريبة أغنام الأغنياء وأرباب السطوة والصولة ولهذا فقد نقص رسم تعداد الأغنام على توالي الأيام نحو أربعمائة ألف ليرة في المملكة كما أنه قل الخير وهجر الغنم أصحابها وقل اعتناؤهم وقلت المواشي فارتفعت إبان اللحم والسمن وضاق أمر المعاش.
ولو نزلت الضريبة إلى حد الصدقات وفرقت الحكومة بين الضأن والماعز وعدلت في رسم تعداد البقر والإبل المسومة لتنفس الأهالي وهانت عليهم الضريبة واعتقدوا أنها فرض ديني فلا يخفون ولا يهربون مواشيهم بسبب قلة الضريبة وأداء الفريضة فحينئذٍ يرغب